لهذه الاسباب صعدّ عون لهجته
متى عُرف السبب بطُل العجب. هذا واحد من الأقوال المأثورة التي يمكن تطبيقها في واقعنا السياسي المأزوم. فلكل حركة سياسية خلفيات وأهداف. ولكل خطوة يقدم عليها هذا السياسي أو ذاك الزعيم لها ما يبرّرها أو يعلّلها أو يخفّف من وطأتها ومفاعيلها السلبية، إذ غالبًا ما يكون للمواقف التي تُتخذ في هذه الأيام إرتدادات عكسية.
كان من المفترض، وفق منطق الأشياء وتراتبيتها من حيث الأولويات، أن تنصّب كل الجهود اليوم على تذليل ما تبّقى من عقد داخلية من أمام تشكيل الحكومة، وسحب البساط من تحت أقدام الذين يعتقد الفريق الرئاسي أنهم يخترعون الحجج الواهية لتغطية “الفيتوات” الخارجية على هذا التشكيل.
إلا أن المفاجأة التي جاءت من القصر الرئاسي كانت على غير ما كان يتوقعه أو يتمناه كثيرون، وبالأخص الذين يرون أن الإستمرار في المراوحة والتقهقر قد يودي إلى المهالك.
فالأسباب غير المعلنة لإطلاق الرئيس عون مفاجأة من النوع غير المنتظر، وتخصيص رسالته “التاريخية” للحديث عن التدقيق الجنائي فقط من دون التطرق إلى الموضوع الحكومي لا من قريب ولا من بعيد، قد تكون هي المفاجأة بحدّ ذاتها. ومتى عُرفت تلك الأسباب يُعتقد أن العجب سيكون سيد الساحة بدلًا من أن يبطُل.
ومن بين هذه الأسباب، في رأي بعض المصادر السياسية المتابعة، تأتي وفق الأهمية الزمنية، أولًا، الزيارة التي سيقوم بها الرئيس المكّلف سعد الحريري لحاضرة الفاتيكان بعدما حدّدت له الدوائر الرسمية فيها موعدًا مع قداسة البابا فرنسيس في 22 من الشهر الجاري.
وتقول هذه المصادر أن موقف الفاتيكان هذا قد إستفزّ رئيس الجمهورية، خصوصًا بعد فشل الإتصالات التي تولاّها أكثر من طرف داخلي وخارجي من أجل تأمين موعد لرئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل مع أحد المسؤولين في عاصمة الكثلكة،
بعدما تناهى إلى أذهان المسؤولين في القصر الجمهوري أن الدوائر الرسمية البابوية ابدت إستياءها من الرسالة التي وجُهت إلى الفاتيكان من قبل “التيار الوطني”، من دون أي تنسيق مع بكركي، التي تربطها بالكرسي الرسولي علاقات متينة لا يمكن أن تؤثر فيها محاولات الدسّ والتحريض، على حسب توصيف المقربين من المرجعية المسيحية.
ثانيًا، فشل الوساطات، ومن ضمنها وساطة اللواء عباس ابراهيم، في تأمين موعد للقاء باسيل مع الرئيس الفرنسي، وهذا ما دفع بالمحيطين برئيس الجمهورية الى اقناعه بالتصويب على موضوع التدقيق الجنائي، الذي أتبعته تسريبات عن تدابير إجرائية سوف تُتخذ في حق حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون أي مسوّغ قانوني، بإعتبار أن أي إجراء في حق الحاكم لا يمكن أن يُتخذ إلا في مجلس الوزراء. وهنا يُفهم لماذا الإصرار على تعويم حكومة تصريف الأعمال.
ثالثًا، ورود معلومات إلى القصر الرئاسي عن تحرك عربي داعم للرئيس الحريري، وهذا ما لمسه رئيس الجمهورية في خلال لقائه وزير خارجية مصر سامح شكري، الذي ابلغ الرئيس عون رسالة واضحة المعالم في هذا الخصوص.
رابعًا، تناهى إلى دوائر القصر أن موسكو سوف تحدّد للرئيس الحريري موعدًا للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الأمر الذي إعُتبر بمثابة “قوطبة” على المساعي الرئاسية في إتجاه العاصمة الروسية بناء على نصيحة إقليمية.
في الخلاصة يبدو أن الأمور سائرة نحو الأسوأ، وهذا ما ينتظره اللبنانيون، الذين خبروا على مدى السنوات العجاف أن لا شيء بريئًا في العمل السياسي، وأن وراء كل أزمة أسبابًا قد يتراءى للبعض أنها محقّة، ولكنها في الحقيقة تخفي في طياتها الكثير من الغموض والأهداف غير المعلنة.