العين على فيينا فهل تولد حكومة لبنان بالتوقيت الاميركي الايراني
انتظرت إيران إدارة أميركية تنقلب على سابقتها، لتعيد إحياء الإتفاق النووي أو على الأقل لتعيد التفاوض حوله، وها هي تنجح في رهانها بصرف النظر عن المسار الذي سيسلكه التفاوض ومدّته الزمنية، ومجرد بدء المحادثات ولو بشكل غير مباشر وضعته إيران في خانة المكسب،
فراحت تتصلّب في موقفها وتشترط رفع العقوبات دفعة واحدة، ما جعل الولايات المتحدة تعلن أنّها لا تتوقع تحقيق انفراجة أو أيّ حوار مباشر مع إيران في محادثات فيينا.
ما يعنينا كلبنانيين من مشهدية فيينا، يكمن بمدى تأثير الحدث النمساوي على المسار الحكومي في بلدنا المشبوك بلعنة الأقاليم، بفعل أفرقاء محلّيين، رهنوا مصلحة البلاد والعباد بأجندات متعددة فجعلوا الوطن متسوّلًا أو على الأقل منتظرًا على أرصفة الأقاليم، فيما شعبه يدفع أثمان رهاناتهم وأجنداتهم. فأي ارتباط للبنان بما يجري بين إيران والقوى العالمية؟
الملف اللبناني مرتبط كليّا بملف المفاوضات الإيرانية الغربية 5+1 وفق مقاربة أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية الدكتور رئيف خوري “إذ لا يُنظر للبنان في العالم ككيان مستقل، إنّما كملحق بالسياسة الإيرانية وبمحور الممانعة، وإيران تضغط لإبقاء لبنان جزءًا من الحلّ النهائي المتكامل مع الغرب،
وليست مستعدّة لتقديم أيّ تنازل في تأليف الحكومة، أو في ملف التفاوض لترسيم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة والبرية مع سوريا، إلّا من منظار مدى تقاربها والغرب من الملف النووي والصواريخ”.
يضيف خوري ” لا يمكن للبنان أن يكون جزيرة معزولة “لذا نرى في الداخل تصلّبًا وليونة، وفقًا لما يجري في القناة الخلفية ما بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
وقد تبيّن بوضوح كامل، أنّه عندما تتقارب النظرة ما بينهما، سواء في العودة إلى المفاوضات أو فيما يتعلق بالتخصيب والصواريخ ومداها ووزنها، نسمع تصاريح ليّنة في لبنان، كتصريح السيد نصرالله في خطابه الأخير، أو موقف رئيس الجمهورية في بكركي، ونجد تلميحات فقط بانتظار التقدّم الفعلي على الأرض في المفاوضات”.
في الفترة الفاصلة ما بين انسحاب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من الإتفاق النووي، وتشديد عقوباته على إيران، وصولًا إلى فوز جو بايدن، اكتسبت إيران عشية محادثات فيينا ورقة جديدة،
هي اتفاقية التعاون الإستراتيجي مع الصين لمدة 25 عامًا. في السياق يلفت دكتور خوري إلى توقيت توقيع الإتفاقية “علمًا أنّ ايران تفاوضت مع الصين حولها قبل خمس سنوات، ولكنّها اختارت هذا التوقيت لتستثمره في إظهار أنّها تملك البديل فيما لو اقفل الغرب باب التعاون معها،
على رغم أنّ الإتفاقية لقيت معارضة داخلية سواء من البرلمان أو في قبل الهيئات الدستورية الأخرى، حتى أنّ الرئيس السابق أحمدي نجاد انتقدها علنًا، محذرا من أنّ أيّ عقد يتمّ توقيعه مع دولة أجنبية دون أن يعرف الناس عنه، سيكون باطلًا”.
قبل ذلك خاض الأميركيون والصينيون محادثات مباشرة بينهما في ولاية الالسكا، بحيث اتفقا على نقاط واختلفا على أخرى، وبنظر خوري “تنتهج الولايات المتحدة سياسية العصا والجزرة،
العصا من خلال استمرار العقوبات والجزرة باعطائها الصين الضوء الأخضر لتوقيع الإتفاقية مع إيران، وغض الطرف عن استيراد كل من الصين والهند للنفط الإيراني، والسماح لكوريا الجنوبية أن تسدد جزءًا من ديونها لإيران، فضلًا عن تمديد واشنطن المتكرر إعفاء العراق من استيراد الطاقة الإيرانية، وكلّها مؤشرات أميركية على قاعدة الترغيب والترهيب لجلب إيران إلى مفاوضات فيينا”.
في الداخل الأميركي يرى خوري أنّ هناك لوبي يدفع باتجاه إيران على رأسه المبعوث الأميركي الخاص لشؤون إيران روبرت مالي المعروف بمحاباته لإيران، وهو أحد مهندسي الإتفاق النووي عام 2015، فضلًا عن دوره الحالي بإقناع بايدن بإعادة إحياء الإتفاق النووي، هذا اللوبي واجهه أعضاء في الكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين وفي مجلس الشيوخ بتكثيف الضغط على بايدن في الملف الإيراني، عبر مشاريع قوانين ورسائل تدعو إلى محاسبة طهران وملاحقة داعميها في الداخل الأميركي.
سياسة العصا والجزرة ليست فعّالة وفق خوري مع الأنظمة التوتاليتارية الإيدولوجية “لأنها تأخذ وتمتنع عن تقديم أيّ تنازل، بدليل ما حصل مع كوريا الشمالية بالتهديد العسكري تارة وبنظرية الإحتواء والحل الدبلوماسي تارة أخرى، وكلّها لم تثمر أي تنازل. الأمر ينسحب على إيران، خصوصًا أنّ هذه الدول تستغل انتقال السلطة وتغير الادارات الأميركية لتكسب الرهان على الوقت.
السياسة الأميركية هذه ندفع ثمنها، إذ لا يمكن للبنان أن يرى حكومة سيادية، بحيث ستواصل إيران ضغطها لإبقاء لبنان تحت جناحيها بشكل أو بآخر، ومنعه من بناء دولته المستقلّة، ومن تعزيز قدرات جيشه وأمنه وضبط حدوده الشرقية البرية والوصول إلى ترسيم حدوده البحرية، كأنّها تقول إنّ لبنان تابع لإيران ولا وجود له ككيان مستقل”.
بالمحصلة البلد الفاقد للمناعة الداخلية يُربط مصير استحقاقاته الصغيرة باستحقاقات ومصالح الدول الكبرى، وذلك ليس قدرًا محتّمًا بل هو تواطؤ داخلي بالدرجة الاولى.