أطفـــ.ــال لبنان يفقـــ.ــدون الثقة حتى بأهلهم.. الهجـــ.ــرة أملهم الوحيد
أطلقت منظمة اليونيسف في بيروت، الخميس ٢٥ أغسطس، تقريرها نصف السنوي، الذي تراقب من خلاله واقع الأطـــ.ــفال في لبنان في ظل الأزمة الاقتصادية وانعكاساتها الاجتماعية، وذلك من خلال مؤتمر صحفي في بيروت، بعنوان “الطـــ.ــفولة المحـــ.ــرومة: معاناة الأطـــ.ــفال في لبنان المنهك من ثقل الأزمـــ.ــات”.
وبحسب “اليونيسف” فقد أدّى مرور ثلاثة أعوام من الأزمات المدمـــ.ــرة المتتالية في لبنان إلى سقوط الأطفـــ.ــال في دوامة من الفقر، ما أثّر سلباً على صحتهم ورفاههم وتعليمهم، وأدى إلى تدمـــ.ــير أحلامهم وزعـــ.ــزعة العـــ.ــلاقات الأسرية.
الهجـــ.ــرة أملهم الوحيد
وأظهر التقرير أن نتائج التقدّم الكبير الذي أحرزه لبنان نحو توفير الحقوق الأساسيّة للأطفال، بما في ذلك حقّهم في الصحّة والتعليم والحماية واللعب والترفيه، تراجعت بشكل كبير بسبب الأزمـــ.ــة الاقتصادية وتزامنها مع جائحـــ.ــة كورونـــ.ــا.
وتسبب الغلاء الفاحـــ.ــش في الأسعار وانتـــ.ــشار البطـــ.ــالة في البلاد بسقـــ.ــوط آلاف العائلات فيما وصفته اليونيسف بـ “فقـــ.ــر متعدد الأبعاد”، وهذا المصطلح هو تعبير عن مفهوم جديد للفـــ.ــقر، قائم على أبعاد عديدة من أوجه الحـــ.ــرمان، ما أثّر بشدة على قدرتها على توفير الاحتياجات الأساسيّة لأطفـــ.ــالها.
واستند التقرير إلى دراسة أجرتها المنظمة الأممية حول فقـــ.ــر الأطـــ.ــفال، معتمدا على تقييم سريع يُركّز على الطفل، أظهر أن الأطـــ.ــفال في لبنان يدركون تماما تأثير الأزمـــ.ــة على حياتهم وتطلعاتهم وعلى مسار الدولة، ما أدى إلى تلاشي أحلامهم بمستقبل أفضل في لبنان، حيث باتوا يعتقدون أن الهجـــ.ــرة هي الأمل الوحيد.
فقـــ.ــدان الثقة بالوالدين
تلك العوامل، وفق “اليونيسف”، أثرت بقوّة على صحّة الأطـــ.ــفال النفسية الذين أصبحوا يعجزون، في معظم الحالات، عن الحصول على الرعـــ.ــاية التي يحتاجون إليها، وفي موازاة ذلك، يشعرون بالإحباط، بعدما فقـــ.ــدوا الثقة في الوالدين لعدم قدرتهما على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة، ما يؤدي بدوره الى زيادة التوتـــ.ــرات داخل العائلات.
وأصبحت العلاقات التقليدية بين الطـــ.ــفل ووالديه، مع تزايد إرسال الأطـــ.ــفال إلى العمل وبطالة الأهل المتمادية، في خطـــ.ــر، بحسب الدراسة، فيما العلاقات التقليدية بين الجهتين باتت هشّة ومعرضة للدمـــ.ــار.
كما أدّت التوتـــ.ــرات المتصاعدة، التي عززها الانقسام الحاد في الآراء والتوجهات داخل المجتمع نفسه وبينه وبين المجتمعات الأخرى، وفق التقرير، إلى ارتفاع نسبة العنـــ.ــف في المنازل والمدارس، وهذا ما جعل الأحياء والشوارع غير آمنـــ.ــة، ومنع الطـــ.ــفل من ممارسة حقّه في اللعب.
وشهد لبنان خلال الأيام الماضية، ارتفاعاً غير مسبوق بحالات العنـــ.ــف المسجلة ضد أطفـــ.ــال، تنوعت ما بين تعذيـــ.ــب وضـــ.ــرب واغتـــ.ــصاب وإطلاق نـــ.ــار، كان الأهل الطرف المرتـــ.ــكب في حالات عدة منها،
الأمر الذي أثار قلق الرأي العام اللبناني وضجـــ.ــة على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث طالب اللبنانيون بمحاسبة الجـــ.ــناة وتحقيق العدالة للأطفال.
كذلك تضـــ.ــررت الفتـــ.ــيات بشكل كبير من ذلك، فقد جرى تقيـــ.ــيد حريـــ.ــتهن في مغادرة منازلهنّ بشكلٍ متزايد خـــ.ــوفا عليهنّ من التعـــ.ــرض للمضـــ.ــايقات.
وقال ممثل اليونيسف في لبنان، إدوارد بيجبيدر، إن “الأزمة المتعددة الأبعاد تؤثـــ.ــر على حياة الأطـــ.ــفال من مختلف جوانبها، فيكبر هؤلاء من دون طعام كاف ولا رعاية صحيّة مناسبة ويضطرون، في حالات عديدة، إلى العمل لإعالة أسرهم”.
وأضاف خلال المؤتمر الصحفي أنّ الإصلاحات الجديّة والحاسمة ضرورية لحـــ.ــماية مستقبل الأطـــ.ــفال، حيث “يجب على الحكومة اللبنانية تنفيذ تدابير الحماية الاجتماعية العاجلة، وضمان وصول كل طـــ.ــفل إلى التعليم الجيّد وتعزيز الرعاية الصحـــ.ــيّة الأوليّة وتوفير خدمات حمـــ.ــاية الطـــ.ــفل”.
نتائج صادمة
التقييم الذي أجرته المنظمة من خلال استطلاع عبر الهاتف، في الفترة الممتدة من 13 إلى 27 يونيو 2022، وشمل 1500 أسرة لديها طفل واحد على الأقل، تتوزّع بين 700 لبناني و300 لاجـــ.ــئ سوري و400 لاجـــ.ــئ فلسطـــ.ــيني، كشف عن نتائج صادمة لناحية مصاريف الأسر وتكاليف المعيشة.
حيث تبين أن 84 في المئة من الأسر لا تملك ما يكفي من المال لتغطية ضرورات الحياة في لبنان، فيما خفّضت 38 في المئة من العائلات نفقات التعليم مقارنة بنسبة 26 في المئة في أبريل 2021.
كذلك خفّضت 60 في المئة من العائلات الإنفاق على العـــ.ــلاج الصـــ.ــحي، مقارنة بـ 42 في المئة في أبريل 2022.
بينما تسدد 70 في المئة من العائلات حاليا كلفة شراء الطعام من خلال مراكمة الفواتير غير المدفوعة أو عبر الاقتراض المباشر.
ويشعر 36 في المئة من مقدمي الرعاية بأنهم قد أصبحوا أقل تسامحاً مع أطـــ.ــفالهم وعاملوهم بقســـ.ــوة أكبر.
وفي هذا الشأن، قال بيجبيدر إن “مواجهة تأثـــ.ــيرات الأزمة المتعددة الأبعاد على حياة الطـــ.ــفل، تتطلب استجابة متعددة الأبعاد ترتكز على تعزيز نظام الحمـــ.ــاية الاجتماعية في لبنان، ومن شأن ذلك ضمان حمـــ.ــاية الحقوق الأساسية للأطـــ.ــفال الضعـــ.ــفاء.
وهذا معناه زيادة الوصول الى الخدمات الاجتماعيّة وتوسيع نطاق المساعدة الاجتماعية وتقديم المنح الاجتماعيّة للعائلات الأكثر ضعـــ.ــفا”.
وكانت اليونيسف قد وسعت برنامجها للاستجابة للأزمات المتفاقمة في لبنان، بما في ذلك تقديم المساعدة النقدية من خلال منح الأطـــ.ــفال، وتقديم الإمدادات الصحـــ.ــيّة والغذائيـــ.ــة،
ودعم الوصول إلى المياه النظيفة، وتوفير فرص التعلّم للأطـــ.ــفال والشباب والشابات، وتعزيز خدمات حماية الطفـــ.ــل، وإعادة تأهيل المدارس والمنشآت الصحـــ.ــيّة المتضررة جراء انفجـــ.ــار ميناء بيروت.
بهاء وعائلته
وسلط التقرير الضوء على الطـــ.ــفل بهاء، 13 عاما، والذي اضطر إلى العمل خلال العطلة الصيفية لإعالة أسرته.
ويشعر الطـــ.ــفل أنه “اكتسب إحساسا جديدا بالمسؤولية في حياته. لا يسمح لوالده بدفع نفـــ.ــقاته الشخصية، لأنه يريد تقليل أي نفقات عليه.
إنه يشعر أنه لا يتوافق مع أصدقائه في المدرسة كما كان يفعل من قبل، مما يخلق إحساسا بالغربة بالنسبة له. إنه يرغب في إعادة تصور مستقبله، لكنه لا يعتقد أن أي تغيير ممكن، أو أن هناك أي أمل”، وفقا لما نقله التقرير.
وتقرّ ختام، والدة بهاء، “بأنها تشعر بالذنـــ.ــب طوال الوقت كأم غير قادرة على إعالة أطفالها. وهي تشعر أن وضعهم العائلي قد تضـــ.ــرر بشدة من جراء الأزمة الحالية ..
التي يمر بها لبنان. لقد أدركت أن أطفـــ.ــالها ينمون أسرع مما ينبغي وأنها تفقد القدرة على إرشادهم في الحياة، وهو مصدر ألـــ.ــم لها”، بحسب ما نقلته يونيسف عنها.
المصدر: الحرة