البلد يتجّه نحو المجهول معيشياً ومالياً… وأمنياً!
لمن وجّه نائب رئيس الحكومة سعادة الشامي رسالته بأن الدولة اللبنانية ومصرف لبنان مفلسان؟ إذا كان المودعون هم المقصودين، فالرسالة غير موفّقة لأن مخـــ.ــاوف الناس من خسارة أموالهم تفوق تصريحات الشامي. أما إذا كانت الرسالة موجّهة إلى المصارف،
فهي حتمًا غير موفقة أيضًا لأن المصارف محاصرة قضائيًا بهدف الضغط عليها وقبول تحمّل الخسائر. من هذا المنطلق، نرى أن احتمال أن تكون الرسالة موجّهة إلى صندوق النقد الدولي هو الأكثر ترجيحا.
ويبقى السؤال إذا ما كانت هذه الرسالة تحوي في طيّاتها طلب تخفيف الشروط على الدولة اللبنانية؟ خصوصًا أن سعادة الشامي مخضرم وسبق له أن عمل لسنين طويلة في فريق عمل الصندوق ويعرف طريقة عمل الصندوق وشروطه.
لكن ما هي هذه الشروط التي يريد الشامي التهرّب منها نيابة عن الحكومة اللبنانية؟
أوّل هذه الشروط هي مجموعة من القوانين التي يجب على الحكومة ومن خلفها المجلس النيابي إقرارها، وعلى رأس هذه القوانين ثلاثة قوانين أساسية: قانون الكابيتال كونترول، وقانون الموازنة العامة، وقانون استقلالية القضاء. إضافة إلى هذه القوانين،
هناك عدد من الإجراءات الواجبة وعلى رأسها حلّ أزمة الكهرباء وتعيين الهيئة الناظمة وتوحيد سعر الصرف، وترشيق القطاع العام،
ووقف التهريب على الحدود… وغيرها من النقاط التي يرى الصندوق أن تنفيذها أصعب بكثير من إعادة هيكلة القطاع المصرفي.
إضافة إلى هذه الشروط، هناك خلاف جوهري على عملية التخلّص من الدين العام التي تعتمدها الحكومة من خلال تحميل المودعين والمصارف هذا الدين من باب الهيركات على سندات الخزينة!!
فصندوق النقد الدولي يعتبر أن الدين الحكومي هو نتاج تراكم العجز في الموازنة على مرّ السنين، وبالتالي تتحمّل الحكومات والمجالس النيابية المتعاقبة نتيجة هذا الدين ويجب عليها إيجاد طريقة أخرى لسدّ هذا الدين (أو أقلّه الجزء الأكبر منه)!
هذه النقطة الخلافية، بالإضافة إلى قانون استقلالية القضاء، تُخيف المعنيين نظرًا إلى أنها تسمح بفتح باب المحاسبة،
إذ قال مصدر وزاري في مجالسه الخاصة إن «ملاحقة رياض سلامة ستكون سابقة لملاحقة المسؤولين المتعاقبين على مراكز القرار،
وبالتالي لن يكون هناك اتفاق مع صندوق النقد الدولي في المدى المنظور». هذا التصريح الخطر يعني أن كل ما يحصل من اجتماعات مع صندوق النقد الدولي هو مناورات تقوم بها الحكومة مع يقينها العميق أن لا اتفاق مع صندوق النقد، وحتى إن مرّ هذا الاتفاق في الحكومة فمن شبه المستحيل أن يمرّ في المجلس النيابي!
عمليًا وفي ظل هذا السيناريو، قد تكون الإنتخابات النيابية هي محطّة مُهمّة في حياة القوى السياسية في السلطة لتدعيم شرعيتها، وبالتالي استمرار الحماية النيابية والقضائية للمسؤولين عن هدر المال العام،
وهو ما يعني إيجاد كبش محرقة على مثال رياض سلامة غير المدعوم من حزب سياسي أو من أرضية شعبية على مثال الشخصيات السياسية الحزبية.
وبالتالي إن صحّ هذا السيناريو، تكون الملاحقات القضائية التي تحصل في القطاع المصرفي، قد حصدت موافقة أصحاب القرار وتم اختيار الخروف الذي سيُذبح فداءً عن السلطة!
يقول أحد الإقتصاديين البارزين إن الدين العام هو نتاج تطبيق الموازنات ولا دخل لمصرف لبنان فيه! وبالتالي هناك سؤال جوهري لا أحد يتحدّث عنه ويتم التعتيم عليه من قبل القوى السياسية،
ألا وهو قطع الحساب. أين هي قطوعات الحساب من العام 2003 وحتى العام 2020؟ هل سيتم إقرار موازنة العام 2022 من دون قطع حساب أيضًا؟
ويضيف الإقتصادي البارز، لا أحد يعلم بدقة قيمة الدين العام ولا يمكن القول ان الدين العام المعلن عنه من قبل وزارة المال – أي 104 مليار دولار أميركي – هو رقم صحيح نظرًا إلى أن قطع الحساب هو الوحيد الكفيل بإعطاء الأرقام الدقيقة.
مما تقدّم نرى أن التعتيم القائم على حسابات الدولة والدين العام من قبل القوى السياسية والمرشحين إلى الإنتخابات النيابية يدخل في إحدى الخانتين: عدم معرفة من قبل المرشّح، أو تعتيم مقصود لتخبئة الحقيقة من خلال تسليط الأضواء على مصرف لبنان وودائع المودعين في المصارف نظرًا إلى أهمية هذا الموضوع بالنسبة للرأي العام.
ويتوقّع خبير إقتصادي أن تكون المرحلة المقبلة مرحلة حساسة مع تراجع إضافي في احتياطات مصرف لبنان التي لن تكون كافية لاستيراد المواد والسلع الغذائية والمحروقات والأدوية،
وهو ما قد يؤدّي إلى خلق جو سلبي على الصعيد الإجتماعي مع عدم قدرة المواطن على الحصول على أبسط مقومات الحياة.
هذا الأمر بحسب الخبير الإقتصادي، سيؤدّي إلى زعزعة الوضع الإقتصادي والمالي والنقدي وقد يكون لخيار الحكومة بفرض ضخّ الليرة اللبنانية في السوق،
تداعيات سلبية على سعر صرف الدولار الذي يشكّل الشمّاعة التي يستخدمها التجار لرفع الأسعار المرتفعة أصلاً في هذا الشهر الكريم. من هذا المنطلق،
نرى أن البلد يتجه إلى المجهول على الرغم من كل الرسائل الإيجابية التي يحاول البعض بثّها لدى الرأي العام. فالخروج من الأزمة لا يمكن أن يتمّ إلا من خلال ضخّ دولارات،
وهو ما تمتنع عنه العديد من الدول الصديقة للبنان نظرًا إلى ربط أي مساعدة للبنان بالتوافق مع صندوق النقد الدولي، وهو أمرّ شبه مستحيل في المرحلة الحالية.
إذَا ماذا ينتظر لبنان في مرحلة ما بعد الإنتخابات – إذا ما حصلت؟ الجواب لا أحد يعلم، ولكن الأكيد أننا نتوجّه إلى المجهول مع العديد من السيناريوهات التي من المفروض أن تتضح احتمالات حدوثها مع مرور الوقت.
من هذه السيناريوهات، سيناريو اضطرابات أمـــ.ــنية منبعها اضطرابات شعبية ناتجة من التردي في الوضع الإقتصادي والمعيشي، وبالتالي إلغاء الإنتخابات وتمديد للمجلس النيابي، مع ما لذلك من تبعيات على الصعيد الداخلي والصعيد الخارجي.
جاء في الديار