“لو اشتاقولي كانوا إجوا”.. ليلى المسنّة المنسيّة في دار الرحمة تحلم بمشوار إلى السوق!
««الحياة أذلّتني وآلمتني»». هكذا، ببضع كلمات، تختصر ليلى رحلة أعوامها الثمانين. هي التي وُلدت في بيت مري لعائلة مقتدرة، وعاشت في كنف والديها ومع إخوتها الصبيان الأربعة حياة ميسورة. أمضت خمسة عشر عاماً في مهنة التعليم في إحدى مدارس المنطقة،
حيث كرّست كامل وقتها لطلابها، إلى أن دقّ المرض باب والدتها. كان عليها حينها ترك كل شيء وتخصيص جلّ اهتمامها لخدمتها. لم تكن ليلى تدري، حين أصيبت بشلل نصفي هي الأخرى في العام 2005 عن عمر ناهز الـ 63 عاماً،
أن أوراق حياتها ستذوي وأن حروف حكايتها سيصيبها البهتان وأن الوقوع فريسة لقسوة البشر والحجر سيحوّل حياتها إلى شيء، مجرّد شيء، يكتوي بما تبقى له من أيام وساعات ودقائق بنار النسيان والوحدة وما أصعبهما.
إلى تفاصيل الحكاية. بعد وفاة والدها منتصف العام 2005، أرسل رياض، أخ ليلى، أمه وأخته معاً إلى مستشفى دار الرحمة في عين سعادة – قضاء المتن.
ذلك رغم أن وضع العائلة الميسور كان يسمح له بإبقائهما «معزّزتين مكرّمتين» في المنزل تحت رعاية أحد الأشخاص المختصين. في هكذا مواقف، للأسف، يتساوى الأغنياء والفقراء. إلى دار الرحمة توجّهنا باحثين عن ليلى، علّها تختصر بقصتها قصص مئات، لا بل آلاف المسنّين «المنسيين».
استقبلتنا الراهبة المسؤولة بابتسامة، اعتادت أن ترسمها على وجوه أكثر من 300 مسنّ يقطنون الدار. وهُم بأمس الحاجة إليها… سألناها عن ليلى، فكرّت دمعة من عينيها: «شو بدي خبّركن عن ليلى، حالتها متل حالة أكتر من 30 شخص عنّا، ما حدا بيسأل عنّن».
لا أحد يسأل عنها؟ نعم، فإخوتها الثلاثة توفّوا، ولم يبقَ منهم سوى واحد، رياض، على قيد الحياة. والحال أنه بعد وفاة الوالدة منذ سنوات عدّة،
توقف الأخير عن زيارة أخته بحجة أنه لم يعد بمقدوره تسديد مصاريف دوائها واحتياجاتها الخاصة. أخبرتنا الأخت الراهبة أيضاً عن مشاكل ذات صلة بالإرث، بين الأخ وباقي أفراد العائلة، ذهبت ضحيتها ليلى على قاعدة «من يرث يخدم». ليلى ليست بحاجة إلى دواء.
ففاعلو الخير ما زالوا كثيرين. هي، كسائر المسنين، بحاجة إلى محبة لتحيا، إلى احتضان لتفرح وإلى عطف كي لا تنضب الحياة في عروقها. ذلك حين يصبح العالم الخارجي غير مهتم بتلك التفاصيل.
كتبت كارين عبد النور في صحيفة “نداء الوطن”: