الموقف الشعبي من الحكومة بين الفرصة واللا ثقة فماذا عن الاحـــــزاب
تباينت آراء اللبنانيين بعد إعلان تشكيل الحكومة التي دام انتظارها طويلاً في ظل استفحال الأزمـــــات في البلاد، خصوصاً وأن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تعكس بسرعة البرق ما يختزنه المواطن في نفسه فيعبّر عنه فوراً،
إما بانفعال أو بشفافية، وسرعان ما بدأ روّاد هذه المواقع بإبداء آرائهم بالحكومة قبل حتى أن يتمّ التقاط الصورة التذكارية الرسمية لها.
بعضهم من أبدى حماسته تجاه التشكيل، معتبراً أن وجود حكومة أفضل من العدم إذ ان الاستسلام لحكومة تصريف أعمال “لا بتحلّ ولا بتربط” على مستوى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كخطوة في مسار الحل،
نوع آخر من الانهـــــيار، ولعلّ التشكيلة الجديدة تكون قادرة على حلحلة بعض الملفات العالقة والتي تؤثر بشكل مباشر على حياة اللبناني على كافة الصعد.
لا سيما بعد توقّف عجلة الخدمات من كهرباء ودواء ومحـــــروقات و”انترنت” والتي أصبح انقطاعها أشبه بانقطاع النفس في وطن تلاشت فيه أدنى مقومات الحياة.
هؤلاء يؤمنون أن لا عصا سحرية ستُحدث معجزة تستعيد صورة “سويسرا الشرق” من جديد، لكنهم يرون في تشكيل الحكومة “فاتحة خير” لإعادة المسار السليم للبنان ووضعه على سكّة الإنقاذ من التدهور الحاصل.
ويتطلعون بنظرة إيجابية الى منح هذه الحكومة فرصة لتبدأ بالعمل قبل تصويب السهام العشوائية نحوها.
لكن هذه الفئة ليست الاكثرية، إذ ان العدد الأكبر من اللبنانيين إلتزم الرفض المطلق، على قاعدة “اللي بيجرّب المجرّب”،
وانصرفوا الى التلهّي بصور الوزراء ونبش تغريداتهم أو حواراتهم السابقة قبل أن يصلوا الى موقع المسؤولية الذي يحتّم عليهم اعتماد خطاب وطني.
مسؤول يكون على مستوى الأزمـــــة وبعيدا عن الزواريب الشخصية، ودخلوا في حالة من “الهستيرية” النفسية مستخدمين السخرية في حين والشتائم في أحيان أخرى،
الأمر الذي يبدو مفهوماً لدى أي مراقب مدرك لطبيعة الواقع المزري في لبنان ومقدّر للاهتراء المعنوي الذي وصل اليه اللبنانيون.
تسعى هذه الشريحة من اللبنانيين الى التركيز على عدم قدرة الحكومة الجديدة على العمل، وذلك نابع إمّا من إحباط نتيجة لتعاقب الحكومات “الصّنم” وعجزها عن القيام بأي تغيير جدّي وملحوظ،
إما من عوامل سياســـــية أو مشاريع سياســـــية مستقبلية تهدف الى تقزيم البرنامج الحكومي قبل طرحه وتشويه التشكيلة الحكومية قبل أن تقول “يا رب”!
ورغم ان هذه الاسقاطات الشعبية سابقة لأوانها غير أنها مفهومة الى حد بعيد، خصوصاً وأن الثقة بين المواطن والمسؤول باتت معدومة،
ما ساهم باتساع الهوّة بينه وبين قيادات بلاده منذ انطلاق حراك 17 تشرين الذي حرّر اللبنانيين من صمتهم ودفعهم نحو وضع النقاط على الحروف والإصرار على المحاسبة.
وفي ظل هذا الواقع، يبرز السؤال عن ردود فعل مؤيدي الأحـــــزاب وعن مواقفهم المعلنة من تشكيل الحكومة. “تيار المستقبل” مثلا، بدت تعليقات مناصريه خجولة رغم مباركة رئيسه سعد الحريري للحكومة وإظهار دعمه لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي،
في حين أن مناصري التيار “الوطني الحر” كانوا أكثر جرأة في تأييدها، بالرغم من أنهم بحثوا عن انتصار ما يثبت صدق خطابهم السياســـــي ويكرّسه من خلال التسويق للثلت المعطّل غير الموجود أساساً.
اما أنصار “الثنائي الشيعي” فقد أبدوا تأييداً لافتاً لوزرائهم من دون الذهاب الى حدّ التهليل للحكومة بأكملها.
مما لا شك فيه أنّ تشكيل الحكومة هو ضرورة مُلحّة لإدارة الأزمة ووقف الانهـــــيار ومنع التفلّت الأمـــــني والاجتماعي واستمرار العمل المؤسساتي حتى الوصول الى اجراء انتخابات نيابية نزيهة تلاقي طموحات اللبنانيين بمستقبل أفضل،
لكنّ المعنيين يدركون جيدا حجم “الحـــــرب” الشعبية التي سيواجهونها في هذه المرحلة الى حين استرداد جزء من ثقة اللبنانيين والعبور الى برّ الأمان.. وحتى ذلك الحين “حيّ على خير العمل”!