الجـــــيش سحب عناصـــــره من المحطات هيدي مش شغلتنا

كلما ازدادت الهـــــاوية التي انزلقنا اليها عمقاً واتساعاً مع مرور الوقت، تفاقمت التـــــحدّيات والضـــــغوط على كل الصعد وتراجعت القدرة على احتوائها.
وكلما تأخّر العلاج السياســـــي نتيجة العجز، وحلّ مكانه المبضع الأمـــــني لمحاولة التعويض، اشتدت عوارض الإقامة الجبرية في قعر الهـــــاوية.
تتخبّط الدولـــــة، بمؤسساتها المتهالكة وشعبها المنهك، في كثبان الرمال المتحركة التي تبتلع كل الإجراءات الترقيعية للسلطة في مواجـــــهة «فيل» الازمة.
ومع غياب «إسفنجة» القرار السياســـــي، بفعل الشلل الذي اصاب مركز صنعه المتمثل في مجلس الوزراء، وجد الجيـــــش نفسه هذه المرة مضطراً، ليس فقط الى التحول لقوى أمن داخلي، وإنما ايضاً لشرطة بلدية،
تتولّى تنظيـــــم شؤون محطات البنزين، قبل أن يطفح كيله ويترك امر إدارة الخراطيم لأصحاب الشأن.
وتكشف مصـــــادر عســـــكرية لـ«الجمهـــــورية»، انّ الجيش سحب عناصـــــره من محطات البنزين، «لأنّ هذه مش شغلتنا»،
مشيرة الى انّ «مكاننا الطبيعي ليس التواجد على محطات الوقـــــود وإنما على الحدود وفي أي مكان تستوجبه الضرورات الأمنـــــية».
وتلفت المصـــــادر، إلى أنّ المهـــــمة الطارئة للجيـــــش عند المحطات استنزفت جنـــــوده وضـــــباطه، من خلال تفاصيل يومية مرهقة،
أدّت احياناً الى احتكاكات بينهم وبين المواطنين، «وبالتالي لم يعد بمقدورنا ان نستمر في تأدية دور لا يقع اصلاً ضمن نطاق اختصاصنا».
وتوضح المصـــــادر، انّ الجيـــــش يعتبر انّ مهمته الاساسية أُنجزت، بعدما أدّى واجبه في مداهـــــمة المستودعات والأماكن التي تُخزّن فيها المحـــــروقات المحتكرة، وهو جاهز دائماً لتنفيذ اي مداهـــــمة جديدة عند الحاجة،
«اما عمل محطات البنزين فيعود الى الانتظام تدريجاً، واذا حصلت اي مشكلة تستدعي تواجدنا على الأرض،
فيمكن ان نتدخّل فوراً، ولكن ليس وارداً ان يضع الجـــــيش قوة عســـــكرية أمام كل محطة على امتداد الاراضي اللبنانية».
وتعليقاً على ما يتردّد هنا أو هناك من اتهام لعـــــناصر في الجيـــــش بتقاضي أموال في مقابل تسهيل تعبئة البنزين لبعض النافذين والمواطنين، تنفي المـــــصادر صحة هذا الاتهام، لافتة إلى انّ العـــــنصر لا يكون وحيداً في المهمّة،
«بل يشاركه فيها آخرون من العســـــكر بقيـــــادة رتيب او ضابط، إضافة إلى انّ جـــــهاز الرقابة الداخلية في الجـــــيش قوي».
وأبعد من «الأمن النفطي»، تؤكّد المصـــــادر العـــــسكرية انّ الوضع بين عنقون ومغدوشة مستتب وعاد الى طبيعته،
بعد الانتشار الميداني الذي نفّذه الجيـــــش بالترافق مع توقيفات حصلت وتحقيقات انطلقت، الى جانب المعالجة السياسيـــــة.
ولكن تطويق التـــــوتر الجنوبي المستجد لا يخفي المخـــــاطر المتنقلة على وقع الأحداث المتكرّرة في مناطق عدة،
والتي تتشابه في ظروفها ومسبباتها وإن اختلفت ساحاتها ومسمّياتها. وتعتبر المصـــــادر العســـــكرية انّ التوتـــــرات المتزايدة هي نتيجة مفاعيل الأزمـــــة الاقتصادية،
لافتة إلى انّ الفقر يولّد النقار وربما الانفـــــجار، ما لم تحصل معالجة حقيقية لأسبابه على كل المستويات.
وتلاحظ المصـــــادر، انّ الفقراء هم الذين يتقاتلـــــون مع بعضهم، «وهذه الظاهرة هي أسوأ ما في المعاناة الحالية التي يرزح اللبنانيون تحت أثقالها»،
مشيرة الى انّ الجيـــــش يتحمّل جزءاً كبيراً من الأعباء الأمنيـــــة المترتبة على هذا الواقع.
وتشدّد المصـــــادر العســـــكرية على أنّ المطلوب التعجيل في تشكيل الحكومة، التي هي المعنية الأساسية بالتصدّي للملفات الشائكة وضبط الأمن الاجتماعي،
«بدل إبقاء المؤســـــسة العسكـــــرية والقوى الأمنية على تماس مباشر مع الازمـــــة المتفاقمة والمتضررين منها»،
لافتة إلى انّ تخفيف الضغوط المعيشية من شأنه ان يساهم تلقائياً في تخفيض منسوب التشنج الأمني.
اما على مستوى مناعة الجيـــــش التي يُخشى من تراجعها تحت تأثير الانهيار، فتوضح المصـــــادر،
انّه يحاول ان يتعايش بأقل الأضرار الممكنة مع هذا الانهيـــــار الذي أصابت تداعياته بشكل اساسي رواتب العســـــكريين،
«علماً انّها ليست المرة الاولى التي نتعرّض فيها لمثل هذا التحدّي، إذ سبق أن واجهنا مثله عند انهيـــــار الليرة قبل عقود، وتمكنا آنذاك من تجاوزه، ونأمل في أن نربحه مرة أخرى».
وتشير المصـــــادر، الى انّ هناك مساعدات تصل إلى الجـــــيش من بعض الدول الصديقة، «وللأسف أصبح مصير الدولـــــة ككل معلّقاً على المساعدات الخارجية».
كتب عماد مرمل في الجمـــــهورية