مطالب الناس وحقوقهم من أولوية الأولويات
على رغم أهمية التفاهم على الإسراع بتشكيل الحكومة، فإن هموم المواطن اليومية، وما يعانيه في يومياته من مشاكل حياتية، تبقى أولوية الأولويات.
وهذه المشاكل التي لا عدّ لها ولا حصر يُفترض أن تكون حافزًا إضافيًا لرئيس الجمهورية وللرئيس المكلف لكي يذللا العقد التي حالت،
على مدى تسعة أشهر، دون قيام حكومة يجب أن تنصرف فورًا إلى معالجة الأزمات والإنكباب على إيجاد الحلول الممكنة والسريعة لإنتشال الناس من بؤسهم وتعتيرهم،
وإعادة دورة الحياة إلى طبيعتها لكي يتمكن المواطن العادي من تجميع قواه ويستمرّ في حياته اليومية في شكل طبيعي أو قريب من الطبيعي.
فمنذ اللحظة الأولى لإستدعاء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الرئيس نجيب ميقاتي لتكليفه تشكيل الحكومة بعدما سمّاه لهذه المهمّة 72 نائبًا في الإستشارات النيابية الملزمة، تبّين أن النوايا حتى الآن صافية، وأن ثمة رغبة لدى الجميع بإستعجال التأليف،
وبالأخص من قبل الشخصين المعنيين بهذا التأليف مباشرة، وذلك قبل أن تدخل على الخطّ خفافيش الليل، وكما يُقال شياطين التفاصيل.
الأمور ماشية حتى اللحظة كما هو مرسوم، وكما يُفترض أن تكون عليه المفاوضات الجارية على قدم وساق بين رئيس الجمهورية والرئيس المكّلف من دون نوايا أو أحكام مسبقة، لأن للطرفين مصلحة في أن تبصر الحكومة النور بسرعة ولكن من دون تسرّع،
وفق ما تقتضيه النصوص الدستورية من دون زيادة أو نقصان، لأن الوقت لا يسمح بأي مناورة في غير موضعها، ولأن الرئيس ميقاتي يعرف تمام المعرفة أصول التعاطي في الأمور الوطنية،
وبالأخصّ في هذا الوقت الحسّاس والدقيق، حيث ترخص التضحيات من أجل إستعجال الحلول المنتظرة لإخراج لبنان من الهوّة السحيقة التي وُضع فيها غصبًا عنه، ومن أجل دحرجة الحجر عن صدور اللبنانيين، الذين يستحقّون أن يعيشوا حياة كريمة،
وأن يستعيدوا بعضًا مما فقدوه في السنتين الأخيرتين من مقومات صمود على كل صعيد، وبالأخص على الصعد الإقتصادية والمالية والمعيشية.
وفي رأي أكثر من مراقب سياسي أن الإجتماعات المكّثفة التي تُعقد بين الرئيسين المعنيين بالتأليف،
وهذا نهج إعتمده الرئيس ميقاتي منذ البداية كخيار دستوري ووطني لا غنىً عنه، ستثمر في النهاية تفاهمًا وتوافقًا بين الرجلين، اللذين سيعطيان الوقت الكافي لإنضاج “الطبخة” الحكومية وفق الأصول من دون أن يسمح أي منهما بتجاوز صلاحيات الآخر،
بكل ما تعنيه هذه الصلاحيات من أهمية بالنسبة إليهما معًا.
فعلى هذا الأساس يمكن التأسيس لمرحلة مستقبلية من التعاون الجدّي والمثمر في آن، وهذا ما طلبه رئيس الجمهورية من الرئيس المكّلف، الذي أبدى كل تجاوب مع ما طالب به.
ويقول العارفون أن الأيام الآتية ستثبت حسن النوايا على أساس أن “يللي أولتو شرط آخرتو نور”، وأن من يحصد الريح لا يمكنه إلا أن يحصد العاصفة،
وهذا ما لا يريده أي من الطرفين المسؤولين مباشرة أمام اللبنانيين والتاريخ عن إيجاد الحلول الممكنة قبل فوات الآوان، شرط ألا يدخل على خط التفاهمات الثنائية المباشرة،
من خلال اللقاءات اليومية، أي عامل سلبي قد يعيد عقارب الساعة إلى الوراء، على اساس أن التركيبة الحكومية ليست إختراعًا للبارود كما سبق أن صرح به الرئيس عون قبل تكليف الرئيس ميقاتي.
تبقى الإشارة إلى أن الدستور ألزم الجميع عندما تحدّث عن إستشارات نيابية ملزمة بضرورة التوافق على تسمية الشخصية التي ستوكل إليها مهمة تشكيل الحكومة.
وفي رأي بعض المراجع الدستورية أن المشرّعين حسموا الأمر وإستبقوا أي إمكانية لتفسير خاطىء لمواد الدستور التي تتحدث عن آلية تشكيل الحكومات،
لأن المعني الأول والأخير بهذا الأمر هو الشخص الذي إختاره نواب الأمة، الذين يمثّلون الإرادة الشعبية،
لتولي هذه المهمة بالتفاهم والتعاون بالطبع مع رئيس الجمهورية كما نصّت عليه المادة 53 من دستور الطائف بفقرتها الرابع التي تنص على الآتي:
“یصدر، أي رئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئیس مجلس الوزراء مرسوم تشكیل الحكومة ومراسیم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم”،
تضاف إليها المادة 64 من الدستور بفقرتها الثانية التي تنصّ على الآتي: “یجري، أي الرئيس المكّلف، الاستشارات النیابیة لتشكیل الحكومة ویوقع مع رئیس الجمهوریة مرسوم تشكیلها”.