بعد عيد الفطر مبادرات جديدة تُطبخ على نار هادئة
رغم قناعة معظم اللبنانيّين المبرَّرة والمشروعة بأنّ ملفّ الحكومة رُحِّل إلى أمدٍ غير معلوم، منذ التسليم بانتهاء “صلاحيّة” المبادرة الفرنسيّة، وأنّ لا شيء في المدى القريب أو حتى المتوسط،
ثمّة في الكواليس السياسيّة من يتحدّث عن “مبادرات ووساطات” تُطبَخ “على نار هادئة”، وقد يتمّ الإعلان عنها مطلع الأسبوع المقبل، مع انتهاء عطلة عيد الفطر.
قد لا يكون المقصود بهذه “المبادرات” تلك التي سرّبت أوساط رئيس الجمهورية ميشال عون أنّه يستعِدّ لإعلانها قريبًا، باعتبار أنّ الأخير طرفٌ أساسيّ من التعقيد الحاصل، بل متَّهَمٌ من قِبَل خصومه بأنّه من يفتعل “العُقَد”، ويبتدع “العراقيل”،
وإن كان مقرّبون منه يؤكّدون أنّه يريد تشكيل الحكومة اليوم قبل الغد، بعدما بات عهده “المتضرّر الأكبر” من التأخير.
إلا أنّ المقصود، وفق ما يرى العارفون، قد يكون رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي سبق أن “جمّد” وساطته، بفِعل الشروط والشروط المُضادة، وقد يجد الظرف مؤاتيًا لإدارة محرّكاته من جديد، بالتوازي والتكافل والتضامن مع البطريرك الماروني بشارة الراعي،
الذي لا يخفي رغبته بإحداث “خرق”، ولو لم يتجاوز عقد لقاءٍ بين عون والرئيس المكلّف سعد الحريري.
مبادِرون بلا وساطات؟
قد لا يكون ما يُحكى عن “حراك” لبري والراعي، سواء بصورة “فرديّة” أو جماعيّة، منطلِقًا من فراغ، فالرجلان يؤكدان جهوزيتهما، بل انفتاحهما على بذل أيّ جهدٍ ممكن لتسهيل تشكيل الحكومة، وسبق لهما أن حاولا لعب أدوارٍ معيّنة،
انحصرت أحيانًا بمهمّة “كسر الجليد” غير البسيطة، ووصلت أحيانًا أخرى إلى نقاش التفاصيل، وفي مقدّمها “الثلث المعطّل”.
لكنّ وجود المبادِرين والرغبة لا يكفي، وفق ما يرى البعض، إذا ما غابت الوساطات بحدّ ذاتها، وهو ما يعكس الواقع في مكانٍ ما، فالمقرّبون من برّي مثلاً يجزمون بأنّه، وخلافًا لكلّ ما أثير في الأيام الأخيرة، لم يفعّل مبادرته من جديد،
وهو لن يفعل ذلك إذا لم يضمن نجاحها سلفًا، وهو ما يتطلّب بعض التنازلات التي لا يبدو أحد مستعدًّا لها في الظرف الحاليّ.
وعلى المنوال نفسه، يؤكد المقرّبون من البطريرك الماروني أنّه لن يتأخّر في تفعيل وساطته وبذل كلّ جهدٍ ممكن، متى توافرت المقوّمات المطلوبة والضروريّة لذلك، لكنّ الوقائع والمعطيات الحاليّة لا تَشي بشيءٍ من ذلك حتى الآن،
بل على العكس، لا تزال “القطيعة” سيّدة الموقف، في ظلّ رفضٍ متبادل لمجرّد عقد اللقاءات، وكأنّ في ذلك انتصارًا لفريق على حساب آخر.
أفكار قابلة للدرس
لا يعني ما تقدّم، وفقًا لبعض المتابعين، أنّ الأمور كلّها “مجمَّدة”، بانتظار “فَرَج” لا أحد يعرف من أين أو كيف سيأتي، وذلك لأنّ ثمّة إجماعًا على أنّ “المماطلة” لم تعد تنفع، خصوصًا أنّ “المصيبة” قادمة عبر رفع الدعم،
وهو ما يوجِب مقاربة مختلفة تسمح للقوى السياسية بالتعامل مع ما يمكن أن ترتّبه من تداعيات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
انطلاقًا من ذلك، ثمّة بعض الأفكار القابلة للدرس التي يتمّ نقاشها في بعض الأوساط السياسيّة، من بينها ما أثير في الإعلام عن إمكانية التوافق على شخصيّة جديدة لرئاسة الحكومة، برضا كلّ الأطراف،
في حال قرّر الرئيس المكلَّف سعد الحريري المضيّ بخيار “الاعتذار”، ولو أنّ بعض ما تسرّب في هذا الإطار لم يكن دقيقًا، ولم تتّضح الغايات الحقيقية من ورائه.
ومع أنّ البعض يكاد يجزم بأنّ الحريري “صرف النظر” عن فكرة الاعتذار، بعدما “جسّ نبض” القاعدة “المستقبليّة”، وتبيّن له أنّها غير راضية عن مثل هذه “التسوية”، ثمّة من يشير إلى أنّ “اعتذاره” قد لا يكون بعيد المنال،
إذا ما توافرت الظروف التي تسمح بأن يكون “مفتاح حلّ”، لا مقدّمة لتعقيدٍ مُضاعَف، أو “فرصة” لفريق “العهد” لتكرار تجربة حكومة حسّان دياب، وهو ما لا يبدو متوافرًا حتّى تاريخه.
في القراءة “السلبيّة”، ثمّة من يتحدّث عن “مراوحة” مستمرّة، فالرئيس عون “ينتظر” اعتذار الحريري، ويتصرّف كأنّه أصبح أمرًا “مفروغًا منه”، ورئيس تيار “المستقبل” يرفض تقديم أي “هدية” للعهد،
ولو كان مقتنعًا بأنّها ستنقلب عليه. وبين هذا وذاك، يبقى التعويل على وساطاتٍ قد تخفق مرّة أخرى، على جري العادة.