لهذا السبب لن يستقبل ماكرون باسيل
عود على بدء، حيث تؤكد باريس في كل خطواتها أنها لا تزال حاضرة، وبقوة، على الساحة اللبنانية. وعلى ما يبدو، وحتى إشعار آخر، لا تزال العاصمة الفرنسية مقصدًا من قبل الجميع من أجل إيجاد أرضية صالحة لتشكيل حكومة “مهمة” أولًا، ومن أجل التمهيد عبر هذه الحكومة لمرحلة التعافي ثانيًا. وهذا الأمر يفرض على جميع الأفرقاء اللبنانيين التعاطي مع المبادرة الفرنسية، التي لم تنتهِ، بإيجابية وإنفتاح.
وإنطلاقًا من إقتناع الجميع، بمن فيهم المعرقلون، بضرورة تزخيم المبادرة الفرنسية، فإن الأنظار تتجه نحو الزيارة المفترضة التي من المقرر أن يقوم بها رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل لباريس، رغم نفي هذا الامر من فريق باسيل ومن الاطراف الاخرى ايضا، من دون الإشارة، لا من قريب أو من بعيد، إلى لقاء محتمل مع الرئيس ماكرون، الذي يبدو أنه يعرف عن المعرقلين ومطالبهم أكثر مما يعرفه اللبنانيون أنفسهم.
من جهة ثانية، ووفق بعض المصادر، فإن قبول باريس بإستقبال باسيل المفروضة عليه عقوبات أميركية تعني أن المسؤولين الفرنسيين باتوا مقتنعين أكثر من أي وقت مضى بأن رئيس “التيار البرتقالي” هو من بين أبرز الذين يقفون حائلًا دون قيام حكومة بالمواصفات الفرنسية، وهذا سبب إضافي لإقتناع الرئيس الفرنسي بعدم جدوى لقائه.
ولم تستبعد هذه المصادر أن تكون المحادثات التي سيجريها الفرنسيون الذين سيلتقون باسيل صريحة للغاية، على طريقة وزير الخارجية جان إيف لودريان، الذي كانت له بالأمس مواقف تصعيدية. وبمعنى آخر فإن ما سيسمعه باسيل من هؤلاء المسؤولين سيكون مفاجئًا لجهة تحميله جزءًا من مسؤولية التعطيل،
بإعتبار أن البلد المنهار والرازح تحت هول الكوارث المتراكمة لا يحتمل المزيد من التصرفات غير المسؤولة التي تصدر من هنا ومن هناك، لأن باريس تحمّل مسؤولية التعطيل للجميع على حدّ سواء، وبالأخص فريق الحكم، الذي ترى أن من مصلحته ومن مصلحة البلد تقديم التنازلات وتسهيل مساعي تشكيل الحكومة في اسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن تصبح مهمة الإنقاذ شبه مستحيلة.
إلى ذلك، ترى مصادر سياسية محايدة أن باريس، بإستقبالها باسيل، تعطي جميع المعنيين، وبالأخص أهل السلطة، فرصة أخيرة قبل أن تضطّر إلى تغيير النهج الذي كانت تعتمده في السابق، وهذا ما ألمح إليه الرئيس الفرنسي، الذي لا يزال يؤمن بأن ظروف الحل المنشود لا تزال مؤاتية، من دون أن يعني ذلك عدم إعترافه بوجود الكثير من العقبات في الطريق الطويل والشاق.
توازيًا، ووفق ما تشير إليه المعلومات، فإن باسيل سيدافع عن وجهة نظره من خلال رمي كرة التعطيل في مرمى الرئيس المكّلف سعد الحريري، الذي عليه أن يراعي ثلاثة شروط لكي تستقيم الأمورولكي يستطيع أن يضع الأحصنة أمام عربة التأليف وليس العكس، من وجهة نظر باسيل وفريقه السياسي.
وهذه الشروط، التي سبق أن حدّدها باسيل في إطلالاته “الأحدية”، نسبة إلى يوم الأحد، هي أن يحترم الحريري الدستور والميثاقية، وأن يأخذ في الإعتبار وحدة المعايير، وهذا ما لم يحصل، كما يقول “العونيون”، الذين يحمّلون مسؤولية عدم تشكيل الحكومة للرئيس الحريري وحده دون سواه.
فهل ستثمر زيارة باسيل الباريسية حلحلة في الأفق الحكومي المسدود، وهل ستنجح باريس في إقناع من تعتبره المعرقل الأول بأن يقدّم بعض التنازلات، التي تراها ضرورية كجسر عبور إلزامي من ضفة الإنهيار إلى ضفة، يُعتقد أنها ستكون محطة أولى في مسيرة إستعادة لبنان عافيته.