أزمات لبنان لا عصفور في اليد ولا عشره على الشجره
ومنذ منتصف شهر آذار الجاري، بدأت الساحة اللبنانية تشهد العديد من التطورات على مختلف المستويات والتي من الممكن أن تشكّل إما مفاتيح للحلّ او أقفالاً مُحكمةً تسدّ افق أي تسوية وتدق ناقوس الخطر الاجتماعي الكبير!
في السياسة، تأخذ المراوحة أشكالاً جديدة، إذ ان عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من جولته الخارجية أدّت الى تفعيل مبادرة اللواء عباس ابراهيم، ورغم أن زيارة الحريري الأخيرة الى قصر “بعبدا” لم تُنتج أي جديد على مستوى المضمون الا انه قيل انها حملت الكثير من الاجواء الايجابية في الشكل، اي في طريقة تواصل الطرفين.
في هذا الاطار كانت اطلالة نصر الله الذي نقل الحزب من مرحلة الى أخرى في التعاطي مع الشأن الداخلي، حيث بدا نصر الله اكثر جرأة في تخطّي الخطوط التي كان قد رسمها الحزب لنفسه اذ انه فتح باب النقاش في الدستور اللبناني من خلال التلويح بتعديل بعض البنود المرتبطة بمُهل رئيس الحكومة المكلف للتشكيل،
كما ألمح الى احتمال أن يصبح التصعيد سيد الموقف في حال استمرار الاحتجاجات الحزبية المتمثلة بقطع الطرقات اللبنانية، اضافة الى انه توجّه الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالعديد من الرسائل المباشرة مهدّداً إياه بالتطيير إذا ما استمر سعر صرف الدولار على ما هو عليه.
لكن أهمية خطاب نصر الله تظهّرت في دعم الحزب المطلق لحليفه الرئيس ميشال عون، وفي أسلوب “التخويف” من التشكيل الذي استخدمه مع الرئيس الحريري إذ أكّد له أن حكومته ستفشل في حال لم تكن حكومة سياسية.
كل ذلك، ترافق مع أيام صعبة على المستوى الاجتماعي، اذ انه وللمرة الاولى تظهر بصورة جلية حجم الأزمة المعيشية، حيث أن طوابير الناس امام محطات الوقود وصلت الى اقصى درجاتها وباتت روتيناً يومياً، بالاضافة الى حصول ما يشبه التنافس على المواد الغذائية المدعومة في التعاونيات الامر الذي أدى الى عدة اشكالات في الشارع ذكرت بمرحلة حساسة مرت على لبنان
بموازاة الازمة المعيشية وازمة المحروقات برز تحليق الدولار الذي وصل مع بداية الاسبوع الفائت الى حدود الستة عشر الاف ليرة لبنانية، لكنه عاود انخفاضه تدريجياً بالتزامن مع حدثين أساسيين؛ الاول زيارة الرئيس سعد الحريري الى “بعبدا” والثاني خطاب نصر الله، ولكن رغم انخفاض سعر صرف الدولار الا ان اسعار السلع الغذائية لم تنخفض وكذلك سعر المحروقات الذي ارتفع نحو حوالي الخمسة الاف ليرة.
وفي ظلّ التراكمات الحاصلة، يطرح مراقبون العديد من التساؤلات حول الحلول، غير أن سُبل الانقاذ وبحسب خبراء لا تبدو واضحة المعالم حتى اللحظة، إذ يؤكد مصدر سياسي بارز على عدم وجود أي مؤشرات إيجابية وجدية حول امكانية الوصول الى توافقات في الشأن الحكومي او حتى حول ما سمّي بإعادة تعويم حكومة الرئيس حسان دياب. اما على المستوى الاقليمي فتعتبر المصادر ان الأمور لا تزال عالقة ويبدو أننا أمام مرحلة طويلة من شد الحبال التي قد تستمر الى اسابيع او اشهر بين الولايات المتحدة الاميركية والجمهورية الاسلامية في إيران، ما سينعكس بلا أدنى شك على الساحة اللبنانية.
مصادر سياسية أخرى، ترى أنه وفي حين تعثّر الحلول الداخلية التي من شأنها أن تخفف من حدة الانهيار ، فقد تشكل التطورات الاقليمية المتسارعة نافذة حل مقبولة ومنطقية لجميع الاطراف اذ ان التسويات في الاقليم ستكون حتماً لصالح لبنان وفي اسوأ الاحوال سيصار الى فرملة الانهيار، لكن، وبحسب المصادر نفسها، فإن ذلك لا يمكن ان يحصل ابدا على المدى المنظور.
اما على المستوى الاقتصادي، يرى خبراء اقتصاديون أن هنالك العديد من الطروحات القابلة للتطبيق عملياً قد يكون لها دورا أساسياً يساهم في عملية الانقاذ المرجوّة، غير أن هذه الخطوات لا يمكن السير بها من دون توافقات داخلية وجدية تهدف الى تفعيل عملية الانقاذ الامر الذي يبدو صعباً جدا في ظل المناكفات السياسية الحاصلة.
في المحصلة، فإن التوترات التي تطغى على البلاد على كافة المستويات تنذر بخطر التفلّت الامني الذي بات قاب او قوسين أو أدنى نتيجة للضغوطات الحاصلة اذا لما يسارع المعنيون الى إيجاد حلول اقتصادية ومالية تضمن سلامة الاستقرار! ولكن ما اسهل “الحكي” وما أصعب الفعل، إذ لا عصفور باليد… ولا عشرة على الشجرة!!