الدولار 8300 مع إصلاحات… 46000 من دونها!
كتبت إيفون أنور صعيبي في “أساس ميديا”:
ما بين توقّعات “Bank of America” وترجيحات “Inc Citigroup” كثيرٌ من التّخبّطات. فمنذ أشهر، أصدر “Bank of America” تقريره عن لبنان، وفيه اعتبر انّ سعر الصرف سيلامس نهاية العام 2020 الجاري حدود الـ46000 ليرة. أما تقرير “Inc Citigroup” والذي صدر منذ أيام وعلى عكس الأول، فيوحي بشيء من الإيجابية ويوضح كيف يمكن لسعر الصرف مقابل الدولار الأميركي أن يستقر عند الـ8300 ليرة شرط البدء بخطة اقتصادية – مالية شاملة وتنفيذ الإصلاحات المطلوبة. لكن، وفي تفاصيل البيانين، نجد ارتباكاً واضحاً لدى البنوك العالمية الكبرى، سببه الغموض في أرقام وزارة المالية ومصرف لبنان.
بحسب “Inc Citigroup”، قد ينجح لبنان بشطب 65? من سندات دينه السيادي ونحو 20% من دينه المحلي، بمجرّد أن يضع حدّاً للخلافات السياسية التي تعيق الإصلاح الاقتصادي -النقدي. وتفترض إحدى أكبر شركات الخدمات المالية الأميركية “Inc “Citigroup، أنه لن يكون من الضروري قصّ الدين العام المحلي لتجنّب التخلّف عن سداد اليوروبوندز.
إلى ذلك، يتوقّع التقرير أن يتمكّن لبنان من إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض قبل نهاية العام الجاري. لكن الاتفاق على برنامج بين لبنان وصندوق النقد الدولي يعني حُكماً تدقيقاً جدّياً في حسابات مصرف لبنان، وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وفق رؤية صندوق النقد، لا وفق رؤية أصحاب المصارف، وهو ما لن يتحقّق، أقله في المدى المنظور.
ووفقاً للتقرير الذي نشرته وكالة “Bloomberg” يوم السبت الفائت، فإنّ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ستخفض من 186.9% عام 2020 إلى 101.4%عام 2024، وهو ما يُعتبر بلا أدنى شك إنجازًا كبيرًا. لكن لا بدّ أن ينخفض ??الدين وأن يرتفع بمقابله الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي. في المبدأ، ولتخفيض الدين، لا مفرّ من أن تكون ميزانية الحكومة متوازنة على الأقل اعتبارًا من أوائل العام 2021، وهو ما لن يتحقّق من دون إصلاحات حقيقية تبدأ بالكهرباء والجمارك والاتصالات ولا تنتهي عند إقفال المعابر غير الشرعية.
إلى ذلك، ولزيادة الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، يجب أن ترتفع نسبة الإنتاج وأن تنخفض البطالة، وهذا أمر لا يتوقّع حدوثه غالبية الخبراء الاقتصاديين. كما أنّ ذلك لا يمكن أن يحصل من دون إعادة هيكلة مصرف لبنان والقطاع العام وتقليص عدد موظفيه بما لا يقل عن 30%.
قبل 17 تشرين الأول 2019 ، كان المعروض النقدي يبلغ 6.5 تريليون ليرة لبنانية. لكن اعتبارًا من كانون الثاني 2020، بدأ مصرف لبنان سياسة الإفراط بطباعة الليرة بمعدل شهري وسطي يقارب 1.5 تريليوناً. ذلك يعني باختصار أنّ السيطرة على المعروض النقدي باتت صعبة، ما ينذر بالمزيد من التضخم غير المسبوق ابتداء من عام 2021.
يبدو متفائلاً “Inc Citigroup” في تقريره الأخير عن لبنان، حيال سعر الصرف الذي يقدّره بـ8300 ليرة مقابل الدولار. إلا أنّ “Bank of America” لا يشاطره الرأي. إذ ينتظر أن يصل هذا السعر إلى 46.500 ليرة لبنانية. لكن بحسب الخبراء، وإذا لم يرتفع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بسرعة، وإذا لم تحقّق الموازنة العامة فائضًا في السنوات القليلة المقبلة، فسوف نعاني بالفعل من التضخم المفرط، وسيصبح توقّع “Bank of America” هذا رحوماً قياساً إلى ما ينتظره اللبنانيون بعد إلغاء الدعم الذي سيرفع الأسعار وسيفاقم نسب الفقر.
كلّ ذلك، والمصرف المركزي يلتزم الصمت تاركاً البنوك العالمية ومعها وكالات التصنيف الائتمانية تخمّن مستقبل لبنان الاقتصادي والنقدي، رافضاً الإفراج عن أرقام ميزانياته ومعها أساس قيمة الدين العام بالعملات الأجنبية. وبدلاً من تلقّف فرصة الاتفاق، وإن كان غير مكتمل مع واشنطن، وبدلاً من مساعدة لبنان لمحاسبة الطبقة السياسية المهترئة، يبدو أنّ فرنسا قد فضلت صون مصالحها الاستراتيجية وتأدية دور الوسيط بين إيران وبين الولايات المتحدة. وفي خضمّ كلّ ذلك، أعلن مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر أنّ حزب الله استفاد من الفساد في لبنان فيما الفساد اعتمد عليه في تقويض النظام المصرفي. لذا، فإن الولايات المتحدة لن تساند لبنان من دون تنفيذ الإصلاحات بشفافية، كما أنها ستبدأ بتطبيق قانون “ماغنيتسكي”على سياسين لبنانيين قريباً، ما يعني مزيداً من الضبابية حيال مستقبل لبنان المالي.