ولّى زمن الحياد لا رماديه بين عون والحريري بعد اليوم

لا يزال اجتماع بعبدا “الناري”، يوم الإثنين الماضي، بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، يرخي بثقله على المشهد الداخليّ برمّته، بغياب أيّ مؤشّرات حول “خرق” يمكن أن يُبنى عليه، بما يتيح على الأقلّ إعادة “تحريك” الملفّ الحكوميّ، ولو بالحدّ الأدنى الممكن.

لكنّ الواضح أنّ “التعقيد” الذي تركه هذا اللقاء، لن يكون أمر “ترميمه” يسيرًا، في ظلّ قناعةٍ راسخة لدى معظم الأفرقاء والمتابعين، بأنّ “الثابتة” التي أفرزها الاجتماع، هي أنّ “التعايش” بين الرئيسين عون والحريري بات مستحيلًا، وأنّ المساكنة التي ارتضاها الرجلان في الفترة الماضية، لم تعُد واقعيّة، أو قابلة للتطبيق.

وأبعد من العلاقة بين الرجلين، ثمّة علامات استفهام تُطرَح حول علاقات سائر الأفرقاء بهما، خصوصًا أنّ “الفرز” بات حتميًّا، بما يوحي أن “الرماديّة” التي كان يلجأ إليها البعض، للوقوف في خانة “الوسط”، بين عون والحريري، بل “يتحصّن” خلفها، على طريقة الوقوف على “مسافة واحدة”، باتت أقرب إلى المزحة، “السمجة” ربما!

حياد الحزب

لا شكّ أنّ “الحياد” كان “التكتيك المفضّل” لـلحزب مثلاً، فهو حرص على الوقوف منذ اليوم الأول لتكليف الحريري، من دون “مباركة” الرئيس عون، على مسافة واحدة منهما، حتى أنّه كان “يعدّ للمئة” قبل الإقدام على أيّ “تحرّك”، حتى لا يفهمه هذا الطرف أو ذاك كأنّه موجَّه ضدَّه، علمًا أنّ مثل هذه التفسيرات وجدت ساحتها الخصبة في أكثر من محطّة.

وعلى امتداد المرحلة الماضية، كان واضحًا أنّ الحزب يحرص على “مراعاة” الرئيس ميشال عون، ويتفادى “إحراجه” بأيّ موقف يتّخذه، رغم “امتعاضه” من بعض الشروط التي كان يضعها الرئيس في وجه تشكيل الحكومة، وفي مقدّمها تمسّكه بالثلث المعطّل،

ما دفع الحزب  إلى أن يطلق موقفه الشهير الرافض لهذا الثلث، والذي انعكس “استياء” غير خفيّ في أوساط “التيار”، الذي ردّ بالتلويح بإنهاء “تفاهم مار مخايل”.

لكنّ حرص “الحزب” على علاقته برئيس الجمهورية، قوبِل بحرصٍ مشابه على العلاقة “الوليدة” مع رئيس الحكومة المكلَّف، فرغم عدم تسميته في الاستشارات الملزمة، كان واضحًا أنّ الحزب هو الذي وفّر “الأرضية” اللازمة للحريري، تمامًا كتمسّكه به رئيسًا مكلَّفًا لا “بديل” له في الظرف الحاليّ، لا “تحصينًا” للساحة السياسية فقط، ولكن أيضًا لإدراكه أنّ تجربة حكومة حسّان دياب لم تكن مشجِّعًة، واستنساخها اليوم لن يكون “محبَّذًا”.

رأيان متقابلان.. وثالث في الوسط!

لكن، إذا كان حياد الحزب في السابق أوقعه في العديد من المطبّات والأزمات مع الطرفين في آنٍ واحد، فإنّ الحريّ أن يوقِعه في مآزق أكبر في المرحلة الحاليّة،

علمًا أنّ هناك من يقول إنّ “استراتيجيّته” استقطبت العديد من الأطراف، كرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط الذي أصبح، بين ليلة وضُحاها، من المطالبين بـ”التسوية”، بعدما أعلن نهاية صفحة “العهد” من دون ترك أيّ “خط للرجعة” معه.

هنا، ثمّة أكثر من وجهة نظر، أولها يشير إلى أنّ الحزب  اتخذ قراره فعلاً بالوقوف إلى جانب عون، بعدما “جَدّ الجِدّ”، وهو ما مهّد له الخطاب الأخير للسيد نصر الله، الذي كان الوزير باسيل أول “المهلّلين” له، استنادًا إلى أنّ موازين “الربح والخسارة” أظهرت للحزب أنّ الأولوية تبقى لعلاقته “المهدَّدة” مع رئيس الجمهورية، ومن خلفه “التيار الوطني الحر”، لما يوفّره له من غطاءٍ مسيحيّ قد يكون بأمسّ الحاجة له في هذه المرحلة.

لكن، في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تبدو أكثر واقعيّة، تقول إنّ “الحزب” لا يزال متمسّكًا بسياسة “الحياد”، رغم انعدام مقوّماتها الموضوعية، وهو يمارسها بطريقةٍ غير مباشرة، عبر “توزيع الأدوار” بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري، خصوصًا أنّ ما فُهِم “تباينًا وتمايزًا” في الموقف قبل أيام، كان “منسَّقًا” وفق ما تؤكد الكثير من المصادر والأوساط، وذلك بانتظار “نضوج” الظروف الموضوعية التي تسمح بولادة الحكومة.

بين الرأيين الأول والثاني، ثمّة من يعتقد أنّ الحزب المتمسّك بحياده ووسطيّته بين عون والحريري، ليس منزعجًا من استفحال المواجهة بينهما، لأنّ من شأنه أن يقود إلى البحث بوضع النظام ككلّ، وهو ما يحبّذه الحزب، الذي كان أول طارحي “المؤتمر التأسيسي”، قبل التراجع عنه “تحت ضغط” المزايدين، رأي تنفيه أوساط “الحزب” التي تصرّ على أنّ الحكومة تبقى “أولوية الأولويات”، وبعدها لكلّ حادث حديث!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!