هل تُفسد السياسة الثورة؟…
“خاص ـ سفير الشمال”
يقال أن ″السياسة ما دخلت في شيء إلا أفسدته″، ولا يختلف إثنان على أن السبب الأساس لنجاح ثورة 17 تشرين الأول هو خلع المشاركين فيها كل عباءاتهم السياسية والطائفية والمذهبية، وإلتحاف العلم اللبناني دون سواه، والمطالبة بوطن العدالة والقانون والمساواة وتكافؤ الفرص والعيش المشترك الحقيقي.
شيئا فشيئا، تسللت السياسة الى ثورة تشرين، فحصل الانقسام الذي أدى الى تراجعها وذهاب ريحها، وتحولت سريعا الى ثورات عدة تقودها تيارات تعمل من خلالها على تحقيق مصالحها، وباتت أشبه بـ”حارة كل مين إيدو إلو”، فريق يريد عودة الرئيس سعد الحريري الى الحكم ويرفض أن يدفع ثمن الثورة وحده، وفريق يريد إسقاط حسان دياب قبل أن تنال حكومته الثقة، وفريق يرفض المسّ بالرموز السياسية، وآخر يريد تحقيق مكاسب من خلال إقفال الشوارع وقطع الطرقات وإستهداف الشخصيات السياسية، وفريق يتمسك بشعار “كلن يعني كلن” تراجع حضوره وإختنق صوته في ظل هذا الضجيج.
هدأت الثورة على وقع وباء كورونا، خرج الناس من الشوارع والساحات وإلتزموا منازلهم، وأعطيت حكومة حسان دياب فترة سماح تلقائية، لكن الآداء الارتجالي والسطحي لحكومة الاختصاصيين ومحاولة رئيسها تعليق كل الاخفاقات على “شماعة” السياسات الماضية،
وفشله في إيجاد قواسم مشتركة بينه وبين التيارات السياسية التي منحته الثقة، أو فترة السماح، وعدم تمكن الحكومة من وضع الخطة الاقتصادية التي وعدت بها، ومن إجراء التعيينات اللازمة ماليا وقضائيا، فضلا عن الاخفاق في تأمين مقومات صمود للمواطنين المحجورين في منازلهم، كل ذلك ساهم في تأجيج الشارع مجددا فعاد قبل نحو إسبوع الى التحرك.
قبل يومين، وكما كان متوقعا تفلت الدولار الأميركي من عقاله، وبلغ سقف الأربعة آلاف ليرة لتشتعل أسعار المواد الغذائية على أبواب شهر رمضان، وخرج الشارع عن طوره غضبا لكن من دون فعالية بعدما تحكمت السياسة بأكثرية مكوناته التي إنقسمت الى فريق خرج مطالبا باسقاط الحكومة المسؤولة عن إقتصاد ومالية لبنان ومعيشة اللبنانيين،
وفريق خرج للاطاحة بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة معتبرا أن تعاميمه تؤدي الى شح الدولار وإنهيار الليرة، وفريق آخر خرج ضد الحكومة والمصرف معا ودعا الى إسقاط المنظومة السياسية والمالية، فهل سنكون خلال الأيام القليلة المقبلة أمام ثورة وثورة مضادة وثورة ضد الثورتين معا فتنتهي ثورة تشرين، أم ينجح المعنيون في إعادة تنقية الثورة وتوحيد صفوفها تحضيرا للمرحلة المقبلة.