من مع الطائف ومن ضده!
منذ أن أصبح إتفاق الطائف وثيقة وطنية نافذة، وهو الذي أوقف الحـــــروب العبثية، وقف بعض الأطراف في الداخل ضدّه،
وشنّوا عليه هجـــــومًا غير مسبوق، ولا يزالون يعتبرون أنه جرّد رئيس الجمهورية من أي صلاحية دستورية، حتى أصبح هذا الرئيس شبيهًا بملكة بريطانيا، من حيث الصلاحيات والأدوار.
أمّا البعض الآخر فيرى في هذا الإتفاق، في حال تطبيقه روحًا ونصًّا، ومن دون إجتزاء أو إستنسابية الإطار الصالح لوحدة اللبنانيين والمخرج الطبيعي لخروج لبنان من أزماته، التي تبدو حتى الساعة مستعصية.
فللأزمة التي نعيشها اليوم جذور، وهي لم تتكّون في يوم وليلة، إنما منذ إقرار الطائف عام 1989. ومعروف من لم يؤيد الإتفاق ولم يطبق لا القانون ولا الدستور، وإستباحهما.
فاللبنانيون، كما يُقال، يتجاورون ولا يتحاورون، علما أن مفتاح الحلول هو الحوار،
وهذا ما يشدّد عليه رئيس الحكومة، الذي لا ينفكّ عن دعوة الجميع إلى الحوار الهادىء والإبتعاد عن التشـــــنج، خصوصًا في هذه الأيام التي يحاول البعض إتخاذ مجلس الوزراء متراسًا له لتسجيل مواقف سياسية في ملاعب الآخرين، مع إحتـــــدام الصراع السياسي بين أكثر من مكّون أساسي في البلاد،
ولذلك فإن “الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء ، في الظروف الحالية المتشنجة، ومن دون تأمين الحد الادنى من التفاهم ستكون كمن يؤجج الخلاف، ما يؤدي الى تفاقم الامور وتصبح اكثر تعقيدًا”.
فمناسبة الحديث عن الطائف ما صرّح به رئيس مجلس النواب نبيه بري بالأمس، حين دعا الى عدم النسيان ان الطائف قد عبّد الطريق وأوقف الحـــــرب ، لافتا في الوقت نفسه إلى وجود ملاحظات عليه.
“فهو ليس انجيلًا ولا قرآنًا كريما بل إتفاق يمكن تطويره او تعديله، لكن يتوجب اولًا تطبيقه بعد اقتناع البعض بأن لبنان لا يمكن أن يتطور اذا بقي النفس الطائفي يتحكم به”،
وسأل: “هل الجميع مستعد لتطبيق كل ما هو منصوص عليه في إتفاق الطائف لا سيما البنود الإصلاحية،
من إقرار قانون إنتخابات خارج القيد الطائفي، وإنشاء مجلس شيوخ وتشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية؟ ولعل الجواب البسيط على هذا السؤال الكبير هو: لنطبق الطائف مع قليل من المرونة وبيمشي الحال”.
وفي ظل الأزمة المستشرية والكلام عن نهاياتها وآفاقها، يأتي الحديث عن “مؤتمر تأسيسي” ونظام سياسي جديد، وسط معلومات عن تفاهم بين “الحـــــزب ” و”التيار الوطني الحر” للذهاب الى هذا المؤتمر وتثبيت جمهورية المثالثة.
ويمكن وضع الكلام الذي ردده رئيس التيار النائب جبران باسيل حول تأييده للمداورة في الرئاسات في هذا الإطار.
والواضح أنه بعد الإنتخابات النيابية ستُفتح ورشة مفاوضات حول لبنان الجديد، والنظام السياسي الذي سيُعتمد. وإذا كانت الإنتخابات النيابية تحتاج الى ضمانات فمن المفترض أن يكون عامل الثقة هو القاسم المشترك بين الداخل والداخل، وبينه وبين الخارج،
إلا أن طرح المشاريع حول صيغة الحكم المقبلة ستحتاج الى ورشة اكبر ستشهدها مرحلة ما بعد تثبيت المجلس النيابي المقبل بتوازناته الجديدة، وهو ما قد يتطلب بعض الوقت، لذلك ترتفع ترجيحات الفراغ الرئاسي.
ووفق ما هو متداول فإن الأوروبيين،
وخصوصا الأميركيين، ومعهم العرب، يرفضون المساس بالصيغة السياسية وتوازناتها العريضة القائمة حاليًا. وقد يكون المطروح إعادة العمل بترتيب جديد للمسار الحكومي، بما معناه تفاهمات وترتيبات أكثر وأكبر من “الدوحة”، لكنها بالتأكيد لن تصل الى حدود “طائف” جديد.
وعليه، فإن المرحلة الراهنة ستشهد حراكًا خليجيًا وعربيًا ودوليًا فاعلًا، يتمحور حول الملف اللبناني وقد ينحو في إتجاه تسوية دولية بدأت تبحث في بعض الأروقة الدولية وتحديدًا باريس وواشنطن. وثمة حديث عن سيناريوهات تُعرض في أكثر من عاصمة عربية ودولية، مختلفة عن تجربة “سان كلو”.
وفي رأي البعض أن ثمة بحثًا جدّيًا عن السبل الآيلة لخروج لبنان من هذا المستنقع الذي يتخبط فيه، بعيدًا عمّا يُسمى بـ”المؤتمر التأسيسي”،
وذلك على وقع ما يحصل في المنطقة وما يجري الإعداد له من تسويات بدءًا من العـــــراق وصولًا إلى سوريـــــا، وما ستفضي إليه المباحثات النـــــووية الجارية في فيينا.