ما هو الأثر الشريف وكيف وصل إلى طرابلس؟
في العام ١٨٨٩، وصلت فرقاطة عسكرية عثمانية إلى الميناء بقيادة خالص باشا تحمل هدية السلطان عبد الحميد الثاني إلى طرابلس، وهي عبارة عن شعرة من لحية النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك لمناسبة إعادة ترميم المسجد التفاحي في حي النصاري في الزاهرية والذي أطلق عليه فيما بعد اسم «الحميدي» تيمناً باسم السلطان عبد الحميد.
وخرجت حينها المدينة بشيبها وشبابها لاستقبال «الأثر الشريف» يتقدمهم المشايخ والعلماء، وعمت الأفراح أرجاء المدينة لأكثر من أسبوع حيث أقيمت الموالد في المساجد وأقيمت حلقات الذكر ووزعت اللحوم والمواد الغذائية على الفقراء احتفالاً بتخصيص السلطنة العثمانية طرابلس بأثر نبوي.
يذكر أستاذنا مؤرخ طرابلس د. عمر تدمري، نقلاً عن شيخ قرّاء طرابلس محمد نصوح البارودي رحمه الله أنه: « في سنة ١٣٠٩ هـ/١٨٩١م. تمّ تجديد بناء جامع الحميدي المعروف قديماً بجامع التّفاحي، والذي يُعرف الآن بجامع حميدي البلد.
وليجري الاحتفال بافتتاح الجامع بعد تجديده، طلب مسلمو طرابلس من السلطان العثماني عبد الحميد الثاني أن يأذن لهم بذلك ويُصدر براءة بتعيين خطيب للجامع، فاغتنم السلطان هذه الفرصة، وأهدى أهل طرابلس شعرة من أثر الرسول (صلى الله عليه وسلّم)، تقديراً لولائهم للدولة العلية.
وضعت الشعرة في علبة من الذهب الخالص، وأرسلت مع أحد الباشوات في فرقاطة خاصة، وعندما وصلت إلى الميناء خرج أهالي المدينة، من مسلمين ومسيحيين لاستقبالها، وكانت فرحة عمت المدينة بأسرها، وعندما نزل الباشا العثماني حاملاً العلبة، تناولها منه الشيخ حسين الجسر، رحمه الله، ووضعها على رأسه وحملها إلى الجامع الكبير.
وكان الأثر الشريف مُهدى في الأصل ليوضع في جامع الحميدي، ولكن الشيخ علي رشيد الميقاتي أقنع رجالات البلد بأن يوضع الأثر الشريف في الجامع المنصوري الكبير لكونه أكبر مساجد المدينة، ولكون جامع الحميدي بظاهر البلد في ذلك الوقت.
وقد كتب على الهلال الذهبي الذي يشكل غطاء الشعرة الشريفة العبارة الآتية :
(أهدى هذه الشعرة المكرمة مولانا السلطان عبد الحميد خان سنة ١٣٠٩ بعنوان “لحية سعادت” منحنا الله شفاعة صاحبها الأعظم صلى الله عليه وسلم الموجه عليه خدمتها محمد رشدي ميقاتي).
أما حول غطاء الأنبوب الذي يحتضن الأثر الشريف فقد نقش عليه هذا البيت من الشعر:
لم نُعْطِ في كل العوالم شعرةً
خُلِقَتْ جميع الكائنات لأجلها.
منقول