لغم طاولة الحوار وتهويل الاستقالة
أنذرت نتائج “المصارعة السياسية” بين الرئيس المكلف سعد الحريري من جهة ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل من جهة، والتي انتهت إلى تفوق الأول على الثاني بفارق نقاط كثيرة،
بجولة جديدة من المناكفات السياسية حول الحقائب الوزارية وتسمية الوزراء بين تيار المستقبل والتيار الوطني الحر،
الذي بدا رئيسه في جلسة مجلس النواب يوم السبت في أضعف حال، رغم محاولاته الإيحاء للحاضرين في الشكل أنه بأحسن حال متسلحا بابتسامة مصطنعة وأحاديث من هنا وهناك مع نواب من تكتله كان يتمنى لو لم يفوزوا في انتخابات العام 2019.
أما في المضمون فإن خطابه كان سجاليا بامتياز رغم أنه تكلم بلغة هادئة.
كشفت جلسة مجلس النواب أن رسالة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لم تكن موفقة. فالخطوة،
وفق مصادر الثنائي الشيعي ” لم تكن مدروسة وفي محلها، فهي حققت مكاسب للحريري، ودفعت مجددا رؤساء الحكومات السابقين والطائفة السنية إلى التكتل إلى جانبه،
اقتناعا منهم أن الرئيس عون يحاول الانقلاب على الدستور والاعراف.
نجح الحريري مجددا في الحصول من البرلمان على إعادة تفويض وتوكيل بتأليف الحكومة، وحسم خياره بعدم الاعتذار فهو لا يزال يمتلك تفويضا خارجيا يستند إليه وهذا ما دفعه إلى إعلان تمسكه بطرحه الحكومي حتى النهاية.
ورغم أن مضمون كلمة الرئيس المكلف كان تصعيديا وتضمن عبارات قاسية، لكن الحريري كان الاكثر اقناعا،
وفق المصادر نفسها، فكلمته كانت منظمة وفندت الوقائع بدقة مستندة إلى الدستور، علما أن بعض الأوساط السياسية ألمحت إلى أن خيار الحريري الوحيد في الوقت الراهن تشكيل حكومة مهمة انقاذية،
ولم يعد يأخذ بعين الاعتبار الحسابات السعودية التي يقال إنها تعطل التشكيل، طالما انه موجود في حضن عروبته(في اشارة إلى مصر والامارات) فضلا عن الحضنين الفرنسي والروسي.
إذن،كل المؤشرات تدل على أن الازمة الحكومية مرشحة للاستمرار. ولا أفق للمعالجة، رغم أن رئيس المجلس النيابي نبيه بري لن يقفل الباب على مبادرته،
لا بل العكس، فإنه سيواصل العمل على تدوير الزوايا بين المعنيين سواء عبر اتصالات او عبر لقاءات ثنائية في الايام المقبلة.
أمام كل ذلك، بدأ الحديث عن ضرورة الدعوة إلى طاولة حوار، حيث دعا باسيل من الاونيسكو رئيس الجمهورية إلى دعوة رؤساء الكتل النيابية إلى طوار حوار تعقد في قصر بعبدا، في طرح، قيل، بحسب مصادر نيابية،
إنه منسق مع الرئيس عون لإحراج الحريري،
على قاعدة أن العهد يستنفذ كل السبل المتاحة على الصعيد الدستوري والوطني لتأليف حكومة، في حين ان الحريري لا يزال يواصل جولاته وصولاته متأبطا ورقة التكليف لا يريد تاليف حكومة ولا يريد أن يؤول هذا الامر إلى اي شخصية سنية اخرى.
ربما صحيح القول إن عندما تقفل السبل أمام الحلول يصبح الحوار أمرا طبيعيا وضروريا لا سيما في ظروف لبنان الراهنة وأزماته الاقتصادية والمالية،
لكن الأكيد في الوقت عينه أن لا أحد يملك ضمانات أن تقدم طاولة الحوار في بعبدا حلولا للمشكلات القائمة، فطاولات الحوار السابقة كانت تنتهي كما تبدأ من دون أي تقدم يذكر.
أسئلة كثيرة تطرح حول مآل طاولة الحوار في القصر الجمهوري، فماذا لو أن الطرفين ( عون – الحريري) تمسكا بمواقفهما على طاولة الحوار.
فمن يضمن مثلا أن تصل نقاشاتها إلى نتائج، ومن يضمن أيضاً أن لا تمرر إلى ملفاتها موضوعات معقدة وخلافية تحتاج إلى وقت طويل للاتفاق حولها،
في حين أن البلد لا يحتمل الانتظار والتلهي بمسائل وقضايا خلافية واستراتيجية،
وهل ستطل على قانون الانتخاب والانتخابات المقبلة والاصلاحات في اتفاق الطائف وازمة النظام السياسي أم سيحصر البحث فيها بازمة الحكومة.
وإلى أن يتضح عنوان هذه الطاولة، يخشى البعض من أن يلعب رئيس الجمهورية لعبة “صولد واكبر”، ويدفع بنواب تكتل لبنان القوي إلى الإستقالة من البرلمان التي تكاد تكون الورقة الأخيرة أمامه في محاولة لأخذ النقاش إلى مكان آخر وخطير
لا سيما أن القوات تستعجل الذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرة وربما تجاري الوطني الحر في الاستقالة التي لطالما حاولت إقناع حلفائها (المستقبل والاشتراكي) بها ولم تفلح.
لكن الأكيد، وفق مصادر الثنائي الشيعي أن التهديد العوني ليس إلا تهويلا،
أولا لأنه يدرك أن الانتخابات باتت على الأبواب وأن لا قرار خارجيا بإجراء انتخابات نيابية مبكرة في لبنان،
وثانيا لأن التيار البرتقالي المنهمك بانقساماته الداخلية لم يبدأ بعد رسميا التحضير للانتخابات على عكس القوات التي تعد العدة لذلك منذ نحو سنة،
وهذا يعني أن كل ما يلوح من تهديدات مرده الضغط على الحريري تأليف حكومة تكون منسجمة مع التطلعات الباسيلية لا أكثر ولا أقل.