قطوع السبت مرّ بأقل الخسائر وبلا شظايا
لا يختلف اثنان على أنّ “قطوع” الجلسة النيابية التي عقدت في “قصر الأونيسكو”، يوم السبت، لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون إلى المجلس النيابي، قد مرّ بأقلّ الخسائر الممكنة على الرّغم من السقوف الخطابية العالية التي أطلقت في الجلسة ولا سيما من الرئيس المكلّف سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل الذي تقمّص دور “محامي الدفاع” عن رسالة عمّه إلى المجلس.
“عصا برّي”
كعادته رئيس مجلس النواب، نبيه برّي، يمسك عصا التوازنات الداخلية من الوسط، وهو الذي لم يكن من محبّذي إقدام عون على إرسال رسالته “المفخّخة”
لعلمه المسبق أنّ انعكاساتها السلبية ستكون أكثر من تلك الإيجابية – إن وجدت – إذ لا يثق له بـ”حُسنِ نيّة” رئيس الجمهورية وفريقه.
استبق برّي أيّ محاولة لجرّ النقاش إلى مكان آخر، والدخول من بوابة الرسالة إلى حديث عن تعديل في النظام أو الدستور،
وهو يدرك دقّة الموقف وخطورة المسّ بالتوازنات الداخلية أمام مسامع وأنظار اللبنانيين الذي كانوا يتابعون “المسرحية النيابية” على الشاشة الصغيرة.
وأكّد برّي باسم المجلس “ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للوصول سريعاً إلى تشكيل حكومة جديدة بالاتفاق مع رئيس الجمهورية”، ليمرّر بذلك “قطوع” الجلسة بأقلّ الخسائر الممكنة ومن دون “شظايا” تطال أيّ طرف.
ماذا بعد “قطوع” السبت؟
يشير مراقبون إلى أنّه لا يمكن الإفراط بالتفاؤل لناحية أنّ الرسالة الرئاسية لم تزد الوضع المعقّد أصلاً تعقيداً، لكّنها، وبحسب المراقبين،
لم تشكّل أيّ خرق في جدار التأليف ولم تحرّك المياه الحكومية الراكدة منذ مدّة، كما كان يروّج الفريق الرئاسي وأوساط “التيار”،
إذ أنّ الجلسة النيابية في خلاصتها الفعلية لم تكن سوى عملية استعراض اشتاق لممارستها “ممثّلو الشعب” بعد فترة طويلة من الغياب حيث أنّه ومنذ انتقال الجلسات العامّة إلى “قصر الأونيسكو” لم تكن هذه الجلسات تنقل على الهواء المباشرة.
ويبقى السؤال ما إذا كان هذا الأسبوع سيحمل أيّ مبادرة جديدة وجادة لإعادة الحياة إلى ملفّ التأليف المجمّد، ومن سيقدم على هكذا خطوة من الوسطاء الذين أُحرقت مبادراتهم الواحدة تلو الأخرى بنار الكيديات السياسية والمناكفات والأنانيات.
تشير المعطيات إلى أنّه من المرجّح أن يعود الرئيس نبيه برّي إلى “تشغيل” محرّكاته ومحاولة إيجاد حلول مشتركة قد يجمع عليه الرئيس المكلّف ورئيس “التيار الوطني الحر” الذي يبدو أنّ أصبح مكلّفاً من رئيس الجمهورية بإدارة ملفّ التفاوض الحكومي.
وفي المعطيات، فإنّ برّي حاول خلال لقاءاته الجانبية مع كلّ من الحريري وباسيل أن يستشفّ منهما ردود الفعل على بعض الأفكار التي لديه، بعد التوافق على تقديم بعض التنازلات المتبادلة، وقد وجد حداً أدنى من التجاوب معه.
وعلى الرّغم من إمكانية تحقيق خرق ما عبر مبادرة برّي المنتظرة، فإنّ بعض الأوساط تتحدّث عن احتمالية أنّ العقدة قد تكمن هنا تحديداً، أي في مبادرة برّي نفسها،
إذ أنّ هناك حديثاً يدور في الكواليس مفاده أنّ البعض قد لا يرغب بأن تكون طريق الحكومة تمرّ بعين التينة، وبالتالي من المحتمل أن يتمّ نسف هكذا مبادرة إن صحّت هذه الأنباء.
“تشكيلة مستحدثة”
توازياً، برز كلام البطريرك الماروني، الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، يوم أمس في عظة الأحد، حيث أشاد بالموقف الذي خرج به المجلس من جلسة السبت
“لأنّ وضع لبنان يقتضي تجنّب أي كلام يزعزع الثقة ويعرقل المسيرة ويضرّ بالمصلحة الوطنية”.
والملفت في كلام الراعي، الدعوة المباشرة التي وجّهها إلى الرئيس المكلّف حيث دعاه إلى أن يبادر بتقديمِ “تشكيلةٍ محدَّثةٍ”
إلى رئيسِ الجمهوريّةٍ في أسرعِ وقتٍ والاتفاقِ معه على الهيكليّةِ والحقائب والأسماء على أساس من معاييرِ حكومةٍ من اختصاصيّين غير حزبيّين لا يُهيمن أيُّ فريقٍ عليها”،
وهو ما فسّره مراقبون أنّ الراعي بات يلمس أكثر فأكثر الخطر الداهم الذي يحدق بلبنان واللبنانيين، وكذلك أنّه إن كان هناك من إمكانية لإيجاد حلّ فسيكون عبر الرئيس المكلّف وليس عبر الفريق الرئاسي لاعتبارات باتت معروفة.
وفي المحصّلة، يجمع المراقبون على ضرورة انتظار المواقف التي سيطلقها الأمين العام لـ”حزب الله”، السيد حسن نصرالله، في كلمته المرتقبة غداً الثلاثاء، لمناسبة “عيد المقاومة والتحرير”.
وإذا لم يحصل أيّ خرق جدّي بعد ذلك في الملفّ الحكومي، فإنّ اللبنانيين سيخذلون من جديد وسيكونون أمام أسبوع آخر من الفراغ الحكومي ومراكمة الأزمات والخيبات، ولن يكون لهم عونٌ إلا الله.