عون القائد لا عودة الى الوراء
بعد إستقبال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لقائد الجيش العماد جوزاف عون لنصف ساعة لا شك في أن الساحتين السياسية والإعلامية ستحفلان بكثير من التحليلات والتكهنات،
التي ربما لم تخطر على بال “القائد” عندما كان جالسًا في قصر الاليزيه،
وهي المرّة الأولى التي يستقبل فيها رئيس فرنسي قائدًا للجيش، مع العلم أن وقت ماكرون لم يسمح له في السابق بإستقبال رئيس أكبر كتلة نيابية ومسيحية.
ليس مستغربًا أن يربط المحللون، وهو أمر طبيعي، لقاء الاليزيه بالإستحقاق الرئاسي، خصوصًا أن هذا اللقاء جاء بعد كلام عالي السقف للعماد عون منذ فترة،
والذي فسرّه البعض في حينه بأنه بمثابة تقديم أوراق إعتماده كمرشح محتمل لرئاسة الجمهورية.
الردّ غير المباشر على هذه التفسيرات كان بمزيد من الإهتمام بتعزيز قدرات الجيش ورفع معنويات عناصره في ظل الضائقة المادية وتضاؤل القيمة الشرائية لرواتب العسكر، والتراجع المضطرد على كل المستويات.
وهو كان حذر في كلامه، الذي وصف في حينه بأنه عالي السقف، من توريط الجيش في مشاحنات سياسية، قائلا: ”
إذا كان البعض يهدف إلى ضرب الجيش وتفكيكه، فإنهم يعرفون أن تفكيك الجيش يعني نهاية الكيان اللبناني، هذا الشيء مستحيل حدوثه.
الجيش متماسك وتجربة العام 1975 (بداية الحرب الأهلية) لن تتكرر”.
بهذه الروحية ذهب إلى باريس، وليس لأهداف أخرى. المهم بالنسبة إليه أن يبقى الجيش واقفًا على أرجله، وأن تكون معنويات عناصره عالية كما كانت دائمًا،
وهو لن يألو جهدًا من أجل تحقيق هذه الغاية. أما الباقي فتفاصيل لغير اوآنها،
لأنه إذا إنهار الجيش كمؤسسة فسينهار الهيكل على من فيه ولن يبقى حجر على حجر. أمّا إذا بقي الجيش صامدًا في وجه العواصف فإن إحتمالات نهوض لبنان من كبوته تبقى واردة متى حسنت النوايا،
ومتى وجدت الإرادة الصلبة، ومتى توافرت الظروف المؤاتية، اقله لتسهيل قيام حكومة تكون مهمتها الأولى والاساسية إجراء إصلاحات مالية وإدارية سريعة ومكافحة الفساد والحدّ من سرعة إنتشاره وتمدّده على مساحة الوطن.
على رغم هذه التأكيدات غير الرسمية عن أهداف زيارة باريس فإن أحدًا لا يقدر أن يمنع البعض في الذهاب في تحليلاتهم بمزيد من التكهنات عمّا يرمز إليه إستقبال ماكرون لقائد الجيش،
وما إذا كانت العاصمة الفرنسية تريد أن تبعث إلى المسؤولين السياسيين رسالة ما،
بعد رسالتها الأولى حين إكتفى وزير الخارجية جان إيف لودريان بلقاء عدد من شخصيات المجتمع المدني مستثنيًا السياسيين التقليديين، “الذين خذلوا فرنسا أكثر من مرّة”.
ولكن ما هو أكيد، وكما في المرّات السابقة، فإن قائد الجيش، سيكون بعيدًا عن جو تلك التحليلات والتكهنات، بل سيحصر همّه على ملف دعم الجيش لتمكينه من الصمود والقيام بالمهام المطلوبة منه، وهي كثيرة،
من أجل الحفاظ على الإستقرار والضرب بيد من حديد على يد كل من تسّول له نفسه زعزعة الإستقرار العام والمسّ بالسلم الأهلي.
وفور عودته من باريس سينصرف العماد عون مع هيئة الأركان إلى التحضير لوجستيًا للمؤتمر الدولي الذي وعدت فرنسا
بترتيبه وتأمين الحشد له في حزيران المقبل من أجل تأمين ما يحتاج إليه الجيش من مستلزمات عسكرية وإمدادات غذائية وطبية، ولسان حاله يقول “لا عودة إلى الوراء”.