شينكر يرسم الحدود مع الفرنسيين في لبنان
كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
فيما اختار الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاحتفال بمئوية لبنان بمبادرة تجاه المسؤولين تعيد هذا البلد الى واجهة الاهتمام مجدداً بعد الحصار الدولي الذي فرض عليه، اختار مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر الاحتفال بهذه المئوية بما يتناسب ومواقف بلاده تجاه لبنان. في توقيت ملتبس وبأهداف مبهمة، حط شينكر رحاله في لبنان. يخلو برنامج زيارته من اي لقاء مع المسؤولين في الدولة او رؤساء الاحزاب فيما زيارته سياسية بامتياز. ما يضع لبنان امام سابقة فريدة كأن يزوره مسؤول سياسي اميركي بهذا الحجم من دون تنسيق مسبق مع المسؤولين الرسميين في الدولة. سلوك يعزز شعور المشككين بالدور الاميركي في لبنان وهدف زيارة شينكر وتوقيتها. وتأتي الزيارة غداة مغادرة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الذي وضع في عهدة المسؤولين في الدولة خطة عمل لتنفيذها ضمن مهلة زمنية محددة، وعلى ابواب تشكيل حكومة يرأسها رئيس جديد من خارج الطبقة السياسية سمّته فرنسا وتسانده، وحظي بموافقة غالبية المكونات السياسية. كل هذا قوبل بتحفظ اميركي او بموقف ضبابي اميركي سارع للتنصل من المبادرة الفرنسية ثم اعلن انه يتطلع الى عمل الحكومة وليس الى الاشخاص.
وفي زيارة شينكر اكثر من رسالة اولها تأكيد الاميركيين عدم ثقتهم بالمسؤولين في لبنان، ووجود خلاف فرنسي اميركي حول التعاطي مع القوى السياسية فيه. فبينما جاء ماكرون يحث السياسيين على الاصلاح كسبيل للإنقاذ معلناً امام المجتمع المدني ان رئيس الجمهورية منتخب من مجلس النواب المنتخب من الشعب وان “حزب الله” يمثل شريحة من اللبنانيين، يتمسك الاميركي بموقف مختلف تماماً، ويراهن على الشارع للتغيير وبدا ذلك واضحاً منذ حركة 17 تشرين والتي لاقاها الى فرض عقوبات وحصار اقتصادي هدفه اميركياً احكام الطوق على “حزب الله”. ويتضح من خلال لائحة الشخصيات التي يلتقيها شينكر من نواب سابقين وشخصيات لها مواقفها المتطرفة تجاه “حزب الله” ورئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، ان هناك مسعى اميركياً لتحسين معنويات فريق بدأ يشعر مع المبادرة الفرنسية انه بات مهمشاً. وتقول مصادر مطلعة على الموقف الاميركي ان شينكر سيشد عزيمة هؤلاء من خلال الاستماع اليهم عن قرب.
وتجزم ان شينكر لا يحمل اي طرح بل مجرد الاستماع الى هؤلاء وحثهم على التصدي للواقع، ما يعني ضمناً عدم الرهان على المبادرة الفرنسية التي نأى الاميركيون بأنفسهم عن تأييدها. يعتبر الاميركي ان شروطه للبنان باتت معروفة ويحض من يطلق على تسميتهم المجتمع المدني على الدفع في هذا الاتجاه. مع الاشارة الى ان الزائر الاميركي يزور لبنان قادماً من قطر حيث التقى المعارض السوري معاذ الخطيب، وهذه دلالة بذاتها الى المنحى الذي تعمل عليه بلاده. حتى الساعة لا يرى الجانب الاميركي ما يستفزه في التسوية الفرنسية، فالفرنسيون لم يقاربوا موضوع الامن وسلاح “حزب الله” بعكس تصورهم، فليس لديهم اي مانع من السير قدماً في مقترحاتهم طالما الاهتمام الاميركي منصب حالياً على الانتخابات الداخلية للبناء عليها. يؤكد المطلعون على الموقف الاميركي عدم وجود نوايا اميركية طيبة تجاه لبنان في الوقت الراهن، وان الاميركيين يسعون الى شد عصب حلفائهم وان الزائر الاميركي لن يبحث موضوع ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل، بدليل ما قاله امس من ان الجانب الاسرائيلي لا يزال ينتظر الجانب اللبناني. ما حصل خلال زيارة المبعوث ديفيد هيل لرئيس مجلس النواب نبيه بري هو التالي، بادر بري الى فتح الموضوع فأجابه هيل قائلاً: نقلنا وجهة النظر اللبنانية لاسرائيل ولا جواب بعد فماذا نناقش؟ وابلغه ان الموضوع رهن زيارة شينكر.
وفي الوقت الذي انتظر لبنان مجيء شينكر نهاية الشهر الماضي، أعلن عن ارجاء الزيارة ثم اعلن عن زيارته بيروت للقاء شخصيات على صلة بالحراك بالاضافة الى النواب المستقيلين، مستثنياً بحث موضوع الحدود في دلالة واضحة على وجود عقبات لا تزال تعترض هذا الملف، الذي لا تجد اسرائيل نفسها مستعدة لبحثه في المرحلة الراهنة وهي المنشغلة بنتائج اهم واكبر تحصدها من الاتفاق مع دولة الامارات.
ثلاثة ايام يقضيها شينكر في لبنان كفيلة بتبيان حقيقة النوايا الاميركية وموقفها من المسعى الفرنسي وكيف ستعكسه على الارض. فهل سيسعى الى الانقلاب على المبادرة الفرنسية وتعكيرها، ام مجرد دعم حلفاء بلاده الى ان تنجلي صورة الانتخابات الاميركية؟