زمن الخياطة عاد الى عزّه… ولكن “للترقيع”
“لم يمنع بلوغ الحاجة أم حيدر الدقدوق التسعين من عمرها من الجلوس خلف ماكينة الخياطة، ولم يحل عمرها دون ممارسة المهنة الأحبّ إلى قلبها، تواظب بين فينة وأخرى على خياطة الملابس وترقيعها، تحاول أن تملأ الفراغ في عمل تحبّه، فالخياطة بالنسبة لها هي الروح وهي الذاكرة”
ما زالت أقدامها تدوس على عجلات ماكينتها القديمة، تأنس للجلوس أمامها، لم تمنعها التجاعيد المنتشرة على وجهها من ممارسة طقوس الخياطة، بدت كمن تخيط ثوب وطن مزّقته الأزمات، وربّما كانت تخيط أحلام الشباب المتناثرة.
هي واحدة من عشرات يحتجن الى أدوية مزمنة، أدوية باتت مفقودة من السوق لاسباب مجـــ.ــهولة، كلما شعرت بضيق العيش تدير دولاب الماكينة العتيدة تدوس على دعستها لتبدأ رحلة دوران الابرة، رحلة شاقة ولكنها ممتعة بالنسبة لها.
تحاول أم حيدر أن تقوم بعمل ينسيها همـــ.ــوم الحياة التي لا تنتهي، تهرب اليها لتتذكّر أنس الايام الغابرة، لا تنفك تقول: «كانت الماكينة جزءاً من جهاز العروس، وركناً أساسياً في المنازل، وكان الاهل يشترطون الماكينة قبل المهر، فالأم يجب أن تخيط ملابس أولادها».
لا تنسى ليالي السهر الطويلة التي كانت تمضيها لتخيط ملابس أولادها وتعدّ خبز الصاج نهاراً وقطف المزروعات. لم تعرف أيامهم أزمة خبز ودواء وطعام وغاز، فـ»زمننا زمن العمل والزراعة وصناعة الخبز القروي».
تدرك أم حيدر أنَّ زمن الخياطة عاد إلى عزّه ولكن «للترقيع»، أمّا الخياطة فولّت لصالح الجاهز، تفرح حين يطلب منها أحد إصلاح قطعة ملابس، تشعر بفخر المهنة التي أحبتها، ترفض التخلي عن ماكينتها أو خيطانها، تعتني بها كمن يعتني بطـــ.ــفله، «فهي جزء من حياتي الطويل».
تتابع أم حيدر تفاصيل الحياة السياسية، تحلّلها وتفصّلها كما تفصّل الأقمشة، تشبه ما يحصل في لبنان بخيّاط فاشل، قصّ الحلول بطريقة خاطئة، «فما يحتاجه البلد خياط ماهر يعيد قصّه وخياطته بطريقة ذكية».
نداء الوطن