رفض سياسي وديني وشعبي لأي تمديد جديد لولاية مفتي طرابلس… غسان ريفي
مضت سنة وثلاثة أشهر على تمديد ولاية مفتي طرابلس الشيخ مالك الشعار، وحان وقت تسليم أمانة الافتاء مع إنقضاء الولاية الممددة في 31 كانون الأول 2019، في ظل رفض سياسي وشعبي وديني لأي تمديد جديد، خصوصا أن التمديد الأول أساء بشكل مباشر الى مقام المؤسسة الدينية وضرب قوانينها بعرض الحائط، ووضعها في مهب الانتقادات، وكاد أن يؤدي ذلك الى فتنة لا يُحمد عقباها.
إنقضت الولاية الممددة التي إنتظرها كثيرون بفارغ صبر لتحقيق التغيير المنشود، خصوصا أنها لم تشهد كما السنوات السابقة أي إنجاز في دار الفتوى أو في دائرة الأوقاف، حيث لم يبدل الشعار من سلوكه الذي يفقده صفة المرجعية الدينية الجامعة، ويجعله طرفا سياسيا على نقيض واضح مع كثير من القيادات السياسية والفاعليات الاجتماعية والشعبية التي يمكن القول أنها قاطعت الشعار ودار الفتوى طيلة فترة التمديد من دون ضجيج، حرصا منها على مقام المؤسسة الدينية التي يسعى الجميع الى عدم إدخالها في آتون الصراعات، وحفاظا عليها وعلى هيبتها وعلى حضورها.
لم يكن الشعار بحاجة الى هذا التمديد الذي أقرّه مفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان بضغط سياسي في أيلول من العام 2018، فلا هو أقنع الناس بضرورة أن يبقى في منصبه، ولا أجرى مصالحة من أجل جمع الشمل بين أبناء المدينة، بل على العكس فإن الأمور إزدادت تعقيدا وإعتراضا عليه وخلافا معه، حتى وجد الشعار نفسه وحيدا في طرابلس إلا من بعض المقربين، وقد جاء اللقاء الذي عقده في دار الفتوى مؤخرا للتضامن معه بعد قيام محتجين بالاعتداء على غرفة الحرس العائدة لمنزله، ليترجم مقاطعة غير معلنة للشعار حيث غاب عن اللقاء أكثرية القيادات والفاعليات السياسية والاجتماعية التي كانت تهب الى دار الفتوى عند كل أزمة تتعرض لها المدينة.
هذا الواقع يؤكد بما لا يقبل الشك بأن طرابلس برمتها تنتظر إنتهاء الولاية الممددة للمفتي الشعار، الأمر الذي سيضع مفتي الجمهورية أمام مسؤولياته في إنهاء خدمات الشعار مع إنتهاء العام الحالي، وفي عدم الخضوع لأي ضغط سياسي جديد بهدف التمديد له لمرة ثانية، لأن حجم الرفض اليوم تضاعف عما كان عليه في أيلول الماضي، وبالتالي فإن أي قرار من هذا النوع يخشى كثيرون من إمكانية مواجهته في الشارع في ظل الحراك الشعبي القائم منذ 17 تشرين الأول الفائت.
لا شك في أن الأكثرية الساحقة في طرابلس لا تريد تمديدا جديدا للمفتي الشعار، وذلك إنطلاقا من حرصها على مقام الافتاء وحفاظها على القوانين التي من المفترض أن تطبق بحذافيرها، وإنسجاما مع تطلعات المدينة الى التغيير الايجابي الذي تطالب به على كل صعيد، وإحتراما لموقع الافتاء الذي لا يجوز أن يدخل في تجاذبات أو في خلافات، ولكي لا يتعرض المفتي الشعار الى مزيد من الاساءات التي قدم معترضون على تمديد ولايته الأولى نماذج منها في أكثر من مناسبة وأكثر من مكان وكان لها تداعيات سلبية جدا.
وقد جاء موقف الرئيس نجيب ميقاتي الذي إتصل أمس بمفتي الجمهورية لدعوته الى أن يكون هذا الاستحقاق الانتخابي ضمن المهلة التي سبق ان حددت، وإعتباره أنه من الخطأ القفز فوق القوانين التي تحدد آلية واضحة تنص على تسلم امين الفتوى مهام الافتاء الى حين انتخاب مفتٍ جديد”، ليتناغم مع مواقف قيادات سياسية ونواب آخرين، ومع أكثرية أعضاء المجلس الشرعي الاسلامي الأعلى، ومع رغبة كثير من المشايخ والفاعليات الذين أصدروا أكثر من بيان خلال الأيام الماضية تمنوا فيه على المفتي دريان عدم حصول أي تمديد جديد، لافتين إنتباهه الى الخطر الذي يحيط بموقع الافتاء في طرابلس والذي بات يتعرض للاعتداء من دون أن يجد من يقف الى جانبه بفعل الخلاف الكبير مع المفتي الشعار.
يقول متابعون: إن الطائفة السنية تمر في مرحلة دقيقة جدا، فأبناؤها في الشارع إحتجاجا على عدم ميثاقية تكليف رئيس الحكومة، وثمة شعور كبير بالغبن وبمحاولات ضرب الطائفة سياسيا ودينيا وشعبيا، ما يستدعي صدمة إيجابية تؤكد حضور المؤسسات وإلتزامها بالقوانين، لأن أي تمديد جديد يضرب رغبة أبناء طرابلس بالتغيير سيكون له إنعكاسات كارثية لن يستطيع أحد تحمل تبعاتها.