حكومة دياب تعاني من عجز مزدوج: دفع الدّيون وحلّ الازمة…
:لن يدفع لبنان اليوم، للمرّة الأولى في تاريخه، سندات اليوروبوند التي هي عبارة عن ديون مستحقة عليه تبلغ 1.2 مليار دولار أميركي، كما بات مؤكداً أنه لن يدفع ديوناً أخرى مستحقة عليه يحين موعد دفعها في 14 نيسان المقبل وتبلغ قيمتها 700 مليون دولاراً، وديوناً أخرى يستحق دفعها في 19 حزيران المقبل بقيمة 600 مليون دولاراً.
قرار لبنان عدم دفع الدّيون المستحقة عليه بات أمراً واقعاً غروب يوم أول من أمس السبت، عندما أعلن رئيس الحكومة حسّان دياب في كلمة متلفزة عن هذا القرار، لكنه فضّل في كلمته تخفيف أعباء وتداعيات هكذا قرار في الشكل، عندما استخدم كلمة “تعليق” دفع الديون، بدلاً من كلمة “عدم الدفع”، علماً أن المضمون واحد، إلا أنّ نتائج وانعكاسات هكذا قرار ما تزال غير واضحة المعالم بعد.
غير أن كلمة دياب التي تضمّنت قراره، لم تقتصر على ذلك، إذ احتوت عدداً من النقاط يجدر التوقف عندها، ومن أبرزها:
أولاً: برّر دياب قرار “تعليق الدفع” بأنّه “السبيل الوحيد لوقف الإستنزاف وحماية المصلحة العامّة”، لكنّ هذا السبيل الوحيد، حسب رأيه، لا يؤدّي بالضرورة إلى حماية المصلحة العامّة كما يقول، لأن الحديث عن إقدام الدول الدائنة عن رفع دعاوى قضائية ضد الدولة اللبنانية هو أمر لا يصبّ في مصلحة البلاد العليا، لأنّ ذلك يعني أنّ البلد مفلس، وأنّ أحداً لن يمدّ له يد العون مستقبلاً عبر قروض أو منح لإخراجه من أزمته المالية الخانقة.
ثانياً: قال دياب في كلمته المتلفزة إن قرار حكومته جاء “بالتزامن مع إطلاق برنامج شامل للإصلاحات اللازمة، من أجل بناء إقتصاد متين ومستدام على أسس صلبة ومحدثة”، غير أن هذا البرنامج الشامل للإصلاح لم يطلق بعد، ولا يعرف عنه اللبنانيون شيئاً، وهو بدا في هذا الإطار وكأنّه يبيعهم والدول والجهات الدائنة سمكاً في البحر، ليس معروفاً نوعه ولا حجمه ولا سعره.
ثالثاً: أمّا قول دياب بأنّ برنامجه الشامل للإصلاح يهدف إلى “بناء إقتصاد متين ومستدام على أسس صلبة ومحدثة”، فإنه كلام يبدو أقرب لأن يكون إنشائياً وليس واقعياً، لأن المطلوب اليوم من حكومة دياب أو أي حكومة غيرها، هو إنتشال البلد من القعر الذي وصل إليه، وأن يترك الأحلام الوردية في الحديث عن إقتصاد متين ومستدام، لأنّه ترفٌ بات اللبنانيون يعرفون أنّهم لن ينالوه أو يصلوا إليه حتى ولو في أحلام اليقظة.
رابعاً: شدّد دياب على أنّ الدولة اللبنانية “ستسعى إلى إعادة هيكلة ديونها، بما يتناسب مع المصلحة الوطنية، عبر خوض مفاوضات منصفة، وحسنة النية، مع الدائنين كافة”. لكن هذا الكلام يدرك دياب قبل سواه أنه لا يمكن ترجمته على أرض الواقع، لأن قرار هيكلة الديون ليس بيد الدولة اللبنانية، وعليه من يمكنه التأكيد أن أي قرار بهيكلة الديون سيصبّ في إطار المصلحة الوطنية العليا، وكيف يمكن لحكومة عاجزة ومفلسة ومنقسمة على نفسها وتعاني نقص فادح في تمثيل البلد سياسياً، أن تخوض مفاوضات منصفة ومتكافئة مع الدائنين؟
خامساً: بما يشبه النصح وليس القرار، قال دياب إنه “لا يجوز أن ننفق أكثر ممّا نجني”، ما يعني أن البلد مقبل على أزمة تقشف غير مسبوقة، خصوصاً في ظل تراجع العجلة الإقتصادية إلى مستويات دنيا.
سادساً: أعلن دياب أنه “باشرنا بإعداد إستراتيجية وطنية لمكافحة الفساد”. لكن هل يمكن أن يكاشف دياب اللبنانيين بأنّ هذه الإستراتيجية ستطبق، أم ستبقى حبراً على ورق، وهل الفساد المكشوف والمفضوح في البلد يمكنه إنتظار إعداد إستراتيجية لا يعرف أحد متى يتم الإنتهاء منها ولا كيف ستطبق؟
ربما قليل من الواقعية ومن الكلام، مع كثير من العمل هو ما يحتاجه لبنان وتبدو حكومة دياب عاجزة عن القيام به.