جريمة الكورة: هل كان الهدف نديم الجميل؟

أشتعلت مناطق لبنانية مختلفة بسلسلة إشكالات دامية أوقعت أعداداً من القتلى وأثارت الرعب في نفوس المواطنين خلال الساعات الـ48 الماضية، واختلطت خلفياتها بين صدامات مذهبية وأخرى حزبية وبعضها فردية، لكنّها شكّلت تحوّلاً في مستويات العنف، ليس فقط نظراً لتزايد أعداد الضحايا، بل لأبعادها الأمنية والسياسية الخطرة.ليل الجمعة السبت 22 آب 2020 وقعت جريمة ذات بعد أمني خطر في بلدة كتفون قضاء الكورة، عندما ظهرت سيارة “هوندا أكورد” بلا لوحات في البلدة منذ الساعة الثامنة والنصف مساء، وعندما استوقفها الحرس البلدي قام من فيها بإطلاق النار على الشابين فادي وجورج سركيس، وعند حضور نجل رئيس البلدية علاء نخلة فارس قاموا بإطلاق النار عليه وأردوهم قتلى، وتمكنوا من مغادرة المكان. لكنّ أهالي البلدة حاصروهم فتركوا السيارة وغادروا على متن سيارة أخرى بانتظارهم، على الأرجح، كما يقول مصدر مطلع على مسار الأحداث، مستبعداً فكرة فرارهم عبر الأحراج.المعلومات الأولية تتحدث عن التعرّف إلى اثنين من الثلاثة، أحدهما لبناني والآخر سوري وتتم الآن عملية ملاحقتهما.

المصدر نفسه يرى ملامح جريمة منظمة في ما جرى لأسباب عدّة، أهمها:

ــ أنّ السيارة المستخدمة في الجريمة تنقلت ملكيتها لعشرة أشخاص خلال عام واحد، وهذا النموذج هو المفضل لارتكاب الجرائم المنظمة.

ــ احتوت السيارة على رشّاش ومسدس كاتم للصوت وقنابل ورصاص متفجّر وأسلاك يمكن استخدامها في إعداد المتفجرات، وهذا يُبعد فكرة أن يكون القتلة لصوصاً، ولو أنهم كذلك لأعطوا الأولوية للفرار أو أطلقوا النار بقصد تعطيل حركة معترضيهم ولم يصلوا إلى مرحلة القتل.

ــ هناك ترجيح لأن يكون ما جرى عملية أمنية تستهدف النائب نديم الجميل الذي كان يتناول طعام العشاء في بلدة كفرحاتا، نظراً لطبيعة ما تركه القتلة في السيارة. وتظهر الخريطة المرفقة أن المسافة الفاصلة بين وسط بلدة كفتون وبين وسط بلدة كفرحاتا لا تتجاوز الثلاثة كيلومترات، وهي الطريق الوحيدة التي سيسلكها النائب الجميل خلال عودته.

مصدر مقرّب من النائب الجميل قال لـ”أساس” إنه ينتظر نتائج التحقيق مع صاحب السيارة التي تُركت في مسرح الجريمة. لكنه لفت إلى أنّ التركيبة القائمة في المشهد لا تعود إلى عملية سرقة، نظراً لاستخدام أسلحة رشاشة ووجود كواتم صوت وقنابل “وهذه عدّة اغتيال لا عدّة سرقة”.

وأوضح أنّ “المنطقة حيث وقعت الجريمة لا يقطن فيها نواب، ما يستدعي الحراسة المسلّحة، ولا مبرّر لوجود مسلّحين، خصوصاً أن تقرير قوى الأمن الداخلي كشف تحرّك السيارة في بلدة كفريا ومرورها في كفرحاتا وإكمالها طريقها إلى كفتون، وأنها تحرّكت بشكلٍ مريب أثار انتباه حرّاس البلدية، مشيراً إلى أنّ التقارير الأولى تربط بين زيارة الجميل إلى كفرحاتا والحادثة.

وقد علم “أساس” أن التقرير الأولي لقوى الأمن الداخلي كشف العثور في السيارة على “صندوق ذخيرة، جهاز اتصال، مسدسين مع كواتم صوت وقنابل يدوية من دون اي آلات تستعمل للسرقة او الخلع”. وهو ربط بين تواجد الجميل في بلدة كفرحاتا، تلبية لدعوة عشاء عند السيد نقولا الشويري، وبين الحادثة.

ــ كان لافتاً أن تسارع مواقعُ إعلامية مؤيّدة لـ”حزب الله” إلى اتهام “القوات اللبنانية” بالوقوف وراء الجريمة، تماماً كما أوردت صفحة “ميس الجبل”، الأمر الذي دفع بالقوات إلى الادعاء على المسؤولين عن تلك الصفحة واتهامها بتضليل التحقيق.

الواضح من خلال هذا الدسّ أنّ وراءه هدف فتنوي بامتياز، يتجسد في إيقاع صدام بين “القوات اللبنانية” وبين “الحزب السوري القومي الاجتماعي” في الكورة، نظراً لأنّ الضحايا ينتمون إلى الحزب القومي.

قبلها، وفي بلدة لوبية الجنوبية – قضاء الزهراني، وقع مساء الخميس إشكال بين مناصرين لحركة أمل وآخيراً من حزب الله في المنطقة، على خلفية تعليق لافتات عاشورائية، أدى الى سقوط قتيل هو الشاب حسين خليل وثلاثة جرحى.

شهد تشييع الشاب خليل هتافات طالت أمين عام “حزب الله” حسن نصرالله بالقول: “يا الله ويا الله، نصر الله عدوّ الله”. وصدرت مواقف عكستها مواقع التواصل الاجتماعي استعادت مناخات الصدام بين الحزب والحركة، وأحيت مواجع تلك المرحلة. ولم يعطِ البيان المشترك الصادر عن الطرفين إلاّ تسكيناً شكلياً، خاصة أنّها لم تكن الجريمة الوحيدة التي يسقط فيها حركيون بسلاح الحزب.

كذلك شهدت منطقة خلدة يوم الخميس أيضاً إشكالا بين أهالي المنطقة ومناصرين لـ”حزب الله” أصرّوا على رفع صورة للمدان في قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري سليم عياش إلى جانب رايات مذهبية، الأمر الذي استفزّ أهالي المنطقة من العشائر العربية وقاموا بإسقاط الصورة والرايات وتدخّل الجيش للتهدئة.

وفي سعدنايل، قام مناصرون لـ”حزب الله” باستفزاز الأهالي وأطلقوا النار على مسجد علي بن أبي طالب في البلدة، وواصلوا الاستفزاز حتّى يوم السبت، مطلقين الشتائم ضد الصحابة وأمهات المؤمنين، ليتوسّع التوتر إلى تعنايل والمحيط.

جرائم متفرّقة أخرى، شهدها لبنان ليل الخميس، ومنها في منطقة جبل محسن في طرابلس، حيث شهدت حارة المهاجرين، قيام المدعو محمد عاصي (نجل رئيس المجلس الإسلامي العلوي السابق الشيخ أسد عاصي)، بإطلاق النار على المدعو حسين البشلاوي وشقيقه علي البشلاوي أصيب على إثرها الشقيقين بطلقين ناريين في الرأس ما أدّى إلى وفاتهما، كما أصيب شخص ثالث، وقد جرى نقله إلى المستشفى الحكومي لتلقي العلاج.

هذه الأحداث، قد يبدو بعضها فردياً، لكنّ سياقها العام لا يمكن إلاّ أن يكون مترابطاً، خاصة أنّها مبنية على إثارة الفتنة والنعرات داخل الطائفة الشيعية (اشتباكات “حزب الله” – أمل)، وبين السنّة والشيعة (خلدة وسعدنايل)، وداخل المجتمع المسيحي (جريمة الكورة) ومحاولة إيقاع الصدام بين حزبي القوات والقومي.

وكان من اللافت أن يربط “حزب الله” بين مناسبة عاشوراء وبين سليم عياش، في محاولة منه لدمج قاتل رفيق الحريري باستشهاد الحسين رضي الله عنه، ومواصلة تقديس القتلة، والإشكالات المرتبطة بالصور جرى افتعالها بأوامر قيادية من الحزب.

هناك من يذهب لاعتبار هذه الفوضى رسائل واردة بين صدور قرار المحكمة الدولية بإدانة سليم عياش وبين المفاوضات الجارية لتشكيل الحكومة والتهديد بنشر العنف لإجبار الجميع على القبول بشروط “القوّة القاهرة” والانخراط في مرحلة دفن مفاعيل المحكمة.

لكنّ الأرجح أنّ وراء ما يجري هدفاً أبعد، له علاقة بسعي الحزب لترتيب الأوراق المحلية ربطاً بالتفاوض الدولي الجاري، وربما بدء سلسلة اغتيالات، قد يكون النائب الجميّل قد نجا من بدايتها.

ومخطئٌ من يظنّ أنّ وجود مفاوضات أميركية مع طهران والحزب يؤدّي إلى تهدئة أمنية، بل العكس هو الصحيح، لأنّ الإيرانيين يبنون تطوير مفاوضاتهم على تغيير الوقائع خلال العملية التفاوضية لزيادة المكاسب، ومن أهمّ الوقائع المطلوبة الآن ضرب من تبقـّى من المعارضين، وخاصة المسيحيين منهم، وإسقاطهم بالضربات المتتالية الصامتة، وصولاً إلى تصفية كلّ من يقاوم السياسة الإيرانية في وطن الأرز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!