ترسيم الحدود في البازار السياسي ضغط لتحصيل مكاسب آنية
مجدّدًا، اصطدم ملفّ ترسيم الحدود البحرية للبنان، المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي، بالشروط والشروط المضادة، بعدما رُمي به في “بازار” السياسة، مع اشتراط الرئيس ميشال عون موافقة “مجلس الوزراء بأكمله” على مشروع المرسوم المتعلق به، ورفضه أن يوقّعه عليه بشكل استثنائيّ.
في الأسباب الموجِبة التي استعرضها بيان الرئاسة، لتمنّع الرئيس عن توقيع المرسوم الذي من شأنه أن يضيف 1400 كيلومتر مربع للمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان في شرق البحر المتوسط، “استشارة” لهيئة التشريع والاستشارات التي خلصت إلى ضرورة أن يتّخذ مجلس الوزراء القرار مجتمعًا.
وبحسب رئاسة الجمهورية، فإنّ هذا الشرط “لا ينتفي” في ظلّ حكومة تصريف الأعمال، نظرًا لأهميته والنتائج المترتبة عليه، لا سيّما وأنّ الوزراء الموقّعين ربطوا توقيعهم بإقرار المرسوم في مجلس الوزراء، علمًا أنّ القانونيّين يؤكّدون صلاحيّة حكومة تصريف الأعمال في الانعقاد لمعالجة المسائل الطارئة والحيوية، كقضية حكومة تصريف الأعمال.
عون يضغط لتجتمع الحكومة!
منذ استقالة الحكومة في آب الماضي، يُعتمَد أسلوب “المراسيم الاستثنائية” لتسيير الأمور، بحيث أصبحت كافة الأمور رهن الموافقة الاستثنائية للرئيس، لحين مراجعتها وإقرارها من الحكومة الجديدة المنتظر تشكيلها، وذلك “على سبيل التسوية”، بحسب ما جاء أصلاً في بيان الأمانة العامة لمجلس الوزراء حول إحالة مشروع المرسوم إلى رئاسة الجمهورية.
لكنّ “سبيل التسوية” هذا لا يُبدو مُرضيًا لرئيس الجمهورية، الذي حاول مرارًا وتكرارًا، بالترغيب أو بوسائل أخرى، إقناع رئيس حكومة تصريف الأعمال بالدعوة إلى جلسة “استثنائية” لمجلس الوزراء، تحت عناوين شتّى تراوحت بين إقرار الموازنة العامة، ومتابعة ملف التدقيق الجنائي، وما يترتّب عليه، وصولاً إلى الترسيم البحري، في محاولةٍ للضغط على الرئيس المكلّف وربما “إحراجه”، عبر “الإيحاء” بأنّ “البديل” عن حكومته متوافر وغبّ الطلب.
إلا أنّ دعوات عون المتكرّرة، التي دخل على خطها بعض الحلفاء، وعلى رأسها الأمين العام لـلحزب ، اصطدمت على الدوام بـ”رفض” دياب، الذي ينظر إلى اقتراح “تفعيل” حكومته، وكأنّه “لغم” يوضع في وجهه، فضلاً عن كونه ينطوي على “تطبيع” مع الفراغ الحكوميّ الحاصل، وهو ما يرفض الانجرار إليه، من دون “ضوء أخضر” صريح من مختلف الأفرقاء المعنيّين، وعلى رأسهم رؤساء الحكومات السابقين.
“ثغرة” في الملفّ!
انطلاقًا ممّا سبق، يعتقد كثيرون انّ رئيس الجمهورية يستخدم ملف ترسيم الحدود البحرية، كـ”مَدخَل” لتجديد مطلبه بتفعيل حكومة تصريف الأعمال، إلا أنّ “الثغرة” التي يقع في “فخّها”، أو ربما “الخطيئة”، تكمن في “توظيف” قضية حسّاسة، تنطوي على “صراع” جوهري مع العدو الإسرائيلي، لصالح تحقيق “مكاسب آنية” لا تقدّم ولا تؤخّر شيئًا في المعادلة.
وفي هذا السياق، يشير العارفون إلى أنّ خطوة رئيس الجمهورية، وإن استندت إلى رأي هيئة التشريع والاستشارات، ولبست لبوسًا قانونيًا، لا تحوز على “الإجماع”، علمًا أنّ خبراء قانونيّين يؤكّدون أنّ المراسيم نوعان، ويمكن الاكتفاء في بعضها بتوقيع الوزراء المختصين ورئيسي الجمهورية والحكومة، وتحديدًا في تلك التي ترتبط بحالات الضرورة، التي ينتمي إليها مشروع المرسوم مثار الجدل بطبيعة الحال.
ولعلّ المشكلة الأكبر، وفق ما يرى هؤلاء، تكمن في أنّ خطوة الرئيس، حتى لو بُنيت على حق قانونيّ، لن تؤدي سوى لتأجيل عملية توسيع الحدود، خصوصًا أنّ توقيع الرئيس كان ضروريًا حتى يتسنّى تقديم الإحداثيات البحرية الجديدة التي يطالب بها لبنان للأمم المتحدة، وهو ما قد يترك ذيوله على المفاوضات “المجمَّدة” أصلاً مع إسرائيل، والتي تحذر من أنّ إقدام لبنان على هذه الخطوة لن يمرّ دون تداعيات.
ثمّة من يراهن على زيارة السفير دايفيد هيل، وهو ثالث أعلى مسؤول في الخارجية الأميركية، لتحريك ملف ترسيم الحدود البحرية من جديد، بعدما توقّفت المفاوضات، على وقع النزاع مع إسرائيل قبل أسابيع، فيما يرى البعض أنّه كان ينبغي على لبنان استباق هذه الزيارة بالتوقيع على المرسوم.
لكن، في كلّ الأحوال، ثمّة من يعتقد أنّ ما حصل أثبت مرّة أخرى أنّ كلّ القضايا، أياً كان حجم حساسيتها، لا شيء أمام “مكاسب ومغانم” السياسة، وهنا الطامة الكبرى!