تحت الجليد في القطب الجنوبي… حياة وألوان واذدهار

قالت “الجزيرة” أنه على على الرغم من الصقيع القاسي والظلام التام الذي يكسو أعماق القطب الجنوبي، فإن الحياة ما زالت تضرب أروع الأمثلة على ولادتها من رحم المعاناة.

 

فوفقا لدراسة بحثية جديدة -نشرت في دورية “كارانت بيولوجي” (Current Biology) يوم 20 كانون الأول الجاري- أجراها باحثون من المملكة المتحدة وألمانيا، فإن جرف “إكستروم الجليدي” (Ekström Ice Shelf) الموجود في القارة القطبية الجنوبية يحتوي على نظام بيئي مزدهر منذ آلاف السنين.

 

متى أصبحت القارة القطبية الجنوبية وحيدة ومنعزلة في قاع الكوكب؟

 

ورغم أن الجروف الجليدية تغطي مساحة تمتد لأكثر من 1.6 مليون كيلومتر مربع، فإنها تعد من أقل البيئات التي نعرف مدى تنوعها على سطح الأرض. وقد شوهدت الحياة في هذه البيئات القاسية من خلال الكاميرات، ونادرا ما تم جمعها لغرض الفحص والدراسة.

 

ولذا، فقد قام فريق من الباحثين في مركز “هيلمهولتز للبحوث القطبية والبحرية” (Helmholtz Centre for Polar and Marine Research) الألماني بحفر موقعين في جرف إكستروم الجليدي،

 

وبعمق وصل إلى 200 متر باستخدام الماء الساخن لتقصي طبيعة الحياة هناك، وفقا لما أورده تقرير موقع “ساينس ألرت” (Science Alert) بشأن الدراسة.

 

حياة مزدهرة
ووفقا للبيان الصحفي الذي نشرته “هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي” (British Antarctic Survey) تعقيبا على الدراسة، فإن أنماط الحياة التي جُمعت من هناك كانت غير متوقعة تماما.

 

فعلى الرغم من أن موقع جرف إكستروم الجليدي لا يبعد سوى بضعة كيلومترات عن سطح المحيط غير المغطى بالثلوج، فإن التنوع الحيوي المشهود في هذه المنطقة كان شديد الثراء بدرجة تفوق تنوع الحياة في الجروف القارية المغطاة بالمياه التي يتوافر فيها مصادر الضوء والغذاء.

 

فاكتشف الفريق هناك 77 نوعا مختلفا لكائنات حية لم تُعرف في هذه البيئة من قبل. شملت هذه الأنواع “الحزازيات” (Bryozoans) -وهي مجموعة من الحيوانات البسيطة اللافقارية طولها يبلغ 0.5 ميلليمتر تقريبا- سيفية الشكل،

 

وكذلك “الديدان المروحية” (Serpulidae) مثل “بارالوسبيرا سيكولا” (Paralaeospira sicula).

 

وعن هذه النتائج، يقول ديفيد بارنز عالم الأحياء البحرية في هيئة المسح البريطانية للقطب الجنوبي إن “اكتشاف حياة مزدهرة ومتنوعة تعيش في هذه الظروف القاسية يعد مفاجأة كبيرة، ويشير إلى قدر التنوع والتميز الذي تمتلكه القارة القطبية الجنوبية”.

 

الطحالب مصدر غذاء محتمل
وبالطبع، فإن وجود حياة في هذه البيئة القاسية يعد أمرا مدهشا بشكل يدفعنا للتساؤل عن الكيفية التي تُمكن هذه المخلوقات من أن تعيش وتزدهر في هذه البيئة.

 

وتشير النظريات الحالية -التي تناقش تنوع الحياة تحت الجروف الجليدية- إلى أن الحياة تصبح أقل وفرة كلما ابتعدنا عن مصادر المياه المكشوفة وعن ضوء الشمس.

 

وقد أفادت بعض الدراسات السابقة بوجود بعض الحيوانات الصغيرة وكذلك المفترسات -مثل الأسماك والديدان وقناديل البحر- في مثل هذه الموائل.

 

غير أن الكائنات التي تتغذى بالترشيح (أي الحصول على إمدادات الطعام من خلال تصفية المحتويات العالقة في بيئتها) تعد من أولى الكائنات التي تختفي في هذه البيئة الجليدية.

 

وتعتبر الكائنات المكتشفة هناك من العوالق التي تبقى في مكان واحد في حين تمتد لوامسها (أذرعها) الريشية لتلتقط جزيئات المواد العضوية الموجودة في الماء المتدفق من حولها.

 

مما يعني أن هناك حاجة إلى نوع من مصادر الغذاء، مثل الطحالب التي تعتمد على ضوء الشمس والتي يجب أن توجد تحت ذاك الغطاء الجليدي. ولذا، فقد استنتج الفريق وجوب وجود شبكة غذائية قوية أسفل الجرف الجليدي تحتوي على ما يكفي من الطحالب.

 

حياة ضاربة في القدم

ويقول جيرهارد كوهن -منسق عملية التنقيب في القطب الجنوبي والمؤلف المشارك في الدراسة- إن “هناك مفاجأة أخرى تتمثل في طول المدة التي شهدت وجود الحياة في هذه المنطقة.

 

إذ يظهر التأريخ الكربوني لبقايا الحيوانات تلك أن أعمارها تتفاوت بين ما هو حديث وما يعود إلى 5800 عام”.

 

ويختتم كوهن قائلا إن “واحة الحياة تلك قد استمرت تحت ذاك الجرف الجليدي لما يقرب من 6 آلاف عام، وذلك على الرغم من أنها لم تبعد عن المياه المكشوفة سوى 3 إلى 9 كيلومترات.

 

وبالتالي، فإن عينات قاع البحر الخاصة بهذا الجرف الجليدي هي التي تملك فقط أن تخبرنا بتاريخ هذه المنطقة”.

 

(الجزيرة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!