بين خطاب نصر الله ومفاجأة جنبلاط هل اقتربت التسويه الحكوميه
فقبل أن يظهر “خير” لقاء عون والحريري السابع عشر من “شرّه”، أطلق الأمين العام لـلحزب سلسلة رسائل، طغت “السلبيّة” على “التفسيرات” التي أعطيت لها، والتي تقاطعت بمجملها عند “ثابتة” أنّ التفاؤل بـ”انفراج حكوميّ” غير مبنيّ على وقائع حسّية، وأنّ أيّ حكومة، إذا شُكّلت على أساسه، لن تصمد أكثر من أسبوعين، قبل أن تسقط.
وفيما كان اللبنانيون “يفكّون ألغاز” كلام نصر الله، فوجئوا برئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط يحطّ في بعبدا، “محمّلًا” بدعوةٍ إلى “تسوية” لا تستقيم مع منطقٍ اعتمده “البيك” طيلة الفترة الأخيرة، ووصل به لحدّ وصف الرئيس ميشال عون بـ”العبثيّ”، وإقفال كلّ أبواب “الحوار” مع “عهده”، باعتبار أنّه أصبح “في خبر كان”.
بالنسبة إلى خطاب الأمين العام لـلحزب يتحدّث العارفون عن أكثر من زاوية يمكن قراءته من خلالها، أولها حرصه على “إرضاء” كلّ من رئيس الجمهورية ورئيس “التيار الوطني الحر” بعد مرحلةٍ من “الجفاء”، إن جاز التعبير، وقد أدّى غرضه، بدليل “الغبطة” التي سارع الوزير باسيل للتعبير عنها، بمجرّد انتهاء فصول الخطاب.
ومع أنّ الأمين العام لـلحزب ضمّن خطابه، ما يمكن وصفه بـ”الانقلاب” على الكثير من “الثوابت الحكوميّة”، بما فيها “شكل” الحكومة، بدعوته إلى إعادة النظر بصيغة “حكومة التكنوقراط”، فإنّ هناك من يشير إلى أنّ الرجل كان يتحدّث بصفةٍ عامّة، وهو كان واضحًا بأنّه سيسير بحكومة الاختصاصيّين في حال تمّ التوافق النهائيّ حولها بين المعنيّين، وتحديدًا بين الرئيسين عون والحريري، وفقًا لما هو مخطَّط.
أما “المفاجأة الكبرى” في خطاب نصر الله، برأي هؤلاء، فتكمن في “إحيائه” طرح “تفعيل” حكومة تصريف الأعمال، مع إدراكه ما يمكن أن يجرّه ذلك من سجالٍ طائفيّ ومذهبيّ لا طائل منه في الوقت الحاليّ، فضلاً عن دلالاته، بوصفه “تطبيعًا مع الفراغ” الحكوميّ، وهو إن دلّ على شيء، فعلى أنّ أيّ “خرقٍ” لم يتحقّق حكوميًا، على نقيض كلّ الأجواء السياسيّة التي أوحت خلاف ذلك، أو ربما تعمّدت هذا الأمر.
وعلى خطى “استدارة” نصر الله، الذي اعتبر البعض أنّ خطابه الأخير شكّل “تحوّلاً جذريًا” في التعاطي مع الملفّ الحكوميّ، جاءت “استدارة” جنبلاط من القصر الجمهوريّ، في زيارة بدت “مفاجئة” في الشكل والمضمون، وحُمّلت “أكثر ممّا تحتمل”، وفق ما تقول بعض الأوساط المراقبة، من المحسوبة على “البيك” أو البعيدة عنه.
وإذا كان جنبلاط مهّد لهذه “الاستدارة” على مدى الأيام الماضية، انطلاقًا من إعلان “انفتاحه” على توسيع الحكومة، وصولاً إلى استقباله غريمه التقليدي رئيس “الحزب الديمقراطي اللبناني” طلال أرسلان، فإنّ هناك من لا يرى في دعوته إلى “التسوية” تمهيدًا فعليًا لها، بقدر ما هو “اصطفاف” قرب رئيس الجمهورية، في وجه الفريق المناوئ له.
إلا أنّ هذه القراءة يرفضها المقرّبون من جنبلاط، والمحسوبون على الحزب “الاشتراكي”، ممّن يختصرون موقفه بأنّه “صوت العقل” الذي يلفت إلى أنّ الاستمرار بالتعنّت والتصلّب لم يعد ينفع، وأنّ المطلوب “تنازلات متبادلة” بين طرفي الصراع، لأنّ البحث في حصّة من هنا، أو وزارة من هناك، أصبح “تافهًا” أمام معاناة المواطنين ومأساتهم اليوميّة.
كما يمكن قراءة خطاب نصر الله وزيارة جنبلاط إلى بعبدا، من “زوايا” مختلفة، لكلّ منها “مفاعيلها” الخاصة، فإنّ التفسيرات “تتباين” بدورها، بين من يعتبر أنّ من شأنها “التعجيل” في “الفَرَج” الحكوميّ المُنتظَر، ومن يرى، على النقيض، أنّها تعقّد الوضع أكثر.