بعد موت المبادرة الفرنسية هل انتهت صلاحية حكومة الاختصاصيين
صحيح أنّ الفرنسيّين لم يعلنوا صراحةً وجهارًا “موت” مبادرتهم في لبنان، بل إنّ ما يُنقَل عنهم هو “نقيض” ذلك، من حيث أنّها لا تزال “حيّة تُرزَق”، وأنّهم لم ولن يتخلّوا عنها، إلا أنّ جميع الأفرقاء في لبنان باتوا يتعاملون مع هذه المبادرة وكأنّها أصبحت من الماضي، حتى أنّ “ثوابتها” المفترضة أضحت محلّ نقاش وجدل.
لعلّ هذه المقاربة شكّلت “ثمرة” زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الأخيرة للبنان، التي تشير المعطيات إلى أنّها تخضع لـ”التقييم” في الدوائر الفرنسيّة، بعكس اللبنانية حيث توافق المختلفون على كلّ شيء، على الحكم عليها سلبًا، فهي لم تقدّم أيّ جديد، ولم تُحدِث أيّ “خرق”، على العكس من ذلك، زادت الأزمة تعقيدًا.
وانطلاقًا من هذه القراءة، بدأ النقاش الجدّي في العديد من الأوساط السياسية حول مرحلة “ما بعد” المبادرة الفرنسية، فهل يتواصل النقاش من حيث انتهت المبادرة،
وبناء على “الثوابت” التي تمّ الاتفاق عليها يوم زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لبنان قبل أشهر، أم يصبح الجميع في “حلّ من الاتفاق”، ويعود النقاش إلى النقطة الصفر؟
كأنّ المبادرة لم تكُن؟!
رغم شبه التسليم بأنّ المبادرة الفرنسيّة أنهت “مخدوميّتها”، وأخفقت في تحقيق أهداف وغاياتها، يبدو أنّها لا تزال محطّ “اختلاف” في الداخل اللبناني، وسط “تفاوت” في الآراء حول “البناء” على ما حقّقته خلال الأشهر الماضية، والذي شكّل في مكانٍ ما “خرطة الطريق” الوحيدة للحلّ الحكوميّ، بإجماع مختلف الفرقاء.
ثمّة في هذا السياق رأيان متنازعان، ينطلق الأول من أنّ المبادرة الفرنسيّة، وإن أخفقت وعجزت عن أخذ اللبنانيّين إلى “برّ الأمان” حكوميًا، إلا أنّها كرّست في مندرجاتها، “الحدّ الأدنى” من التوافق المطلوب، فضلاً عن كونها بلورت “الشروط” التي لا بدّ لأيّ حكومة جديدة من تلبيتها،
في حال أرادت طلب دعم المجتمع الدولي، وهو ما أصبح القاصي والداني يدرك أنّ أيّ حكومة تُشكَّل لن تحظى بفرصة الإنقاذ الحقيقيّ من دونه.
في المقابل، ثمّة من يعتقد أنّ هذه المبادرة نالت فرصتها وأكثر، ولو كانت بالفعل مبنيّة على أساس “صلب”، أو بالحدّ الأدنى قابل للتطبيق، لنجح الفرنسيّون في “فرضها” بقوة “الأمر الواقع”،
وبالتالي فإنّ البحث عن حلّ يقتضي “طيّ الصفحة” فورًا، لإفساح المجال أمام مبادراتٍ أو وساطاتٍ أخرى،
قد تكون أكثر مرونة وليونة، ما يعني أنّ المطلوب “الانفتاح” على النقاش من جديد، من دون أيّ “رواسب” موروثة من الأيام الخوالي.
الحكومة السياسية من جديد!
قد لا يكون سرًّا، في هذا السياق، أنّ أهمّ النقاشات التي قد تُفتَح من جديد في هذه الحال يتعلّق بطبيعة حكومة “المهمّة” المُنتظَرة، ولا سيّما شكلها، وما إذا كان المطلوب الإبقاء على توصيف حكومة “الاختصاصيّين”،
باعتبار أنّ الجميع ارتضوا أنّ المرحلة لا تتحمّل غيرها، أم أن نغمة حكومة “السياسيّين” قد تعود إلى دائرة الضوء.
وليس خافيًا على أحد، بهذا المعنى، أنّ فكرة حكومة “السياسيّين” لا تزال تدغدغ مشاعر البعض من قوى الأكثرية تحديدًا، ممّن ارتضوا بحكومة
“الاختصاصيّين” على مضض، وسيستغلّون الفرصة لإعادة التأكيد على هذا المطلب، علمًا أنّ الأمين العام لـلحزب لم يتردّد قبل أسابيع، في ذروة النقاش حول المبادرة الفرنسيّة،
إلى الدعوة إلى إعادة البحث بهذه النقطة، باعتبار أنّ حكومة الاختصاصيّين قد لا تعمّر، حتى لو شُكّلت.
وفي حين يعتقد أصحاب هذا الرأي أنّ حكومة السياسيّين ستطغى من جديد على المشهد، باعتبار أنّ محاولات تشكيل حكومة الاختصاصيّين لم تنجح، وأنّ من وافقوا عليها وضعوا “الألغام” في طريقها، ليتحوّل الاختصاصيون إلى مجرد “ديكور” يُخرِجه السياسيّون، ثمّة في المقابل من يرفضون هذا “السيناريو”،
انطلاقًا من كون حكومة السياسيّين بمثابة وصفة مثاليّة لاستنساخ الحكومات التي أوصلت البلاد إلى ما هي عليه، وأنها لا تلبّي الحدّ الأدنى من الشروط الدولية.
إلى هذا الحدّ، قد يعني التسليم بـ”موت” المبادرة الفرنسيّة، العودة إلى النقطة الصفر. ولا تعني “النقطة الصفر” هنا عودة النقاش حول توزيع الحقائب وأسماء الوزراء فحسب، بل قد تشمل أيضًا طبيعة الحكومة،
والمهمّات المُلقاة على عاتقها. أمر قد يرى فيه البعض “مفتاح حلّ”، لكنّه في الحقيقة يخفي “تعقيدًا مضاعفًا”، قد لا يكون الوقت الراهن مناسبًا للغوص في تشعّباته حاليًا!