الطلاب اللبنانيون في الخارج ضحايا… فمَن يُنقذهم؟

“الراي الكويتية”:

 

واجه الطالبة لارا مصطفى، التي تدرس الطب، الطرد من روسيا وضياع حلمها أن تصبح طبيبة إذا عجز والداها تحت وطأة أسوأ أزمة مالية تشهدها البلاد منذ عشرات السنين عن تحويل المال اللازم لسداد إيجار السكن ومصروفاتها.
واضطر طالب آخر يدرس الطب يدعى وسيم هاشم (24 عاماً) لترك الدراسة في عامه الرابع في إحدى الجامعات الروسية للعودة إلى لبنان والعمل سائقاً لتوصيل الطلبات بعد أن فقد والده وظيفته ولم يعد قادرا على إعالته.
لارا ووسيم اثنان من آلاف الطلبة الجامعيين الذين وجدوا أنفسهم فريسة للأزمة المالية اللبنانية التي بدأت في 2019 باحتجاجات شعبية على قيادات البلاد التي اتهمها المتظاهرون بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد.
ونتيجة لهذه الأزمة منع النظام المصرفي العاجز عن سداد الالتزامات، والذي أقرض البنك المركزي والدولة أكثر من ثلثي أرصدته، المودعين من سحب أموالهم وتخلف لبنان عن سداد ديونه.
وأدت جائحة «كوفيد – 19» إلى تفاقم البطالة وانهارت مؤسسات أعمال مع الانهيار الاقتصادي.
اعتاد لبنان أن يفخر بنظام التعليم فيه. وكانت البعثات التبشيرية الأميركية والفرنسية أقامت مدارس وجامعات في القرن التاسع عشر أصبحت منصات لدفع الطلبة اللبنانيين إلى استكمال دراساتهم في الخارج.
وأصبح ذلك الآن حلماً للجميع باستثناء الأثرياء الذين تمكنوا من الاحتفاظ بما يكفي من ثرواتهم خارج لبنان.
ويواجه بعض الطلبة صعوبات في تلبية احتياجاتهم حتى في دول منخفضة التكاليف نسبياً مثل روسيا.
وقالت لارا (23 عاما) لـ«رويترز» عبر تطبيق «زوم» من روسيا حيث تدرس بمنحة «بشكل عام فيكي تحكي ان أهلي غرقوا بالديون ليقدروا يبعتولي مصاري (نقود)».
وذكرت أنها تعيش في سكن الطلبة وأن نظام الجامعة التي تدرس بها ينص على أنه إذا عجزت عن سداد مصروفات الإقامة فلن يتم طردها من السكن فحسب بل وحرمانها من دخول امتحان نهاية الفصل الدراسي.
وأضافت: «هلا صار لازم نتقشف. لازم نحسبها بالقرش».
لا سبيل للحصول على المال
ينظم بعض آباء آلاف الطلبة اللبنانيين في الخارج احتجاجات خارج مصرف لبنان المركزي.
ويصر المحتجون على أن يلزم البنك المركزي البنوك التجارية بتنفيذ مرسوم حكومي أقره مجلس النواب ويقضي بالسماح لأسر الطلبة الدارسين بالخارج بتحويل ما يصل إلى عشرة آلاف دولار سنويا بسعر الصرف الرسمي البالغ 1500 ليرة لبنانية للدولار لتغطية مصروفات التعليم والمعيشة.
وحتى الآن يقول الآباء والطلبة إن القانون يلقى التجاهل وإن البنوك ومكاتب الصرافة ترفض إجراء تحويلات بالسعر الرسمي وتطلب بدلاً من ذلك سعر السوق الذي يبلغ حالياً نحو 8300 ليرة للدولار.
وردا على استفسار من «رويترز»، قال محافظ البنك المركزي رياض سلامة إن القانون يحتاج لمراسيم لتطبيقه تصدرها الحكومة لا مصرف لبنان. ولم يتسن التواصل مع المسؤولين في جمعية مصارف لبنان للتعليق.
وذكرت نداء حسن (47 عاما) والدة لارا، ان الأسرة اعتادت أن ترسل لها ما بين 300 دولار و700 دولار شهريا لكنها أصبحت ترسل الآن مبالغ أقل.
كما نقلت أبناءها الآخرين من مدرسة خاصة وسجلتهم بمدرسة حكومية لأن مرتب زوجها الذي كان يعادل 2000 دولار في الشهر العام الماضي أصبح يعادل الآن 370 دولاراً بعد انهيار قيمة العملة اللبنانية.
وقالت في بيروت، إن الأسرة لا تقترض المال في لبنان فحسب بل تقترض من أقارب في الخارج لكي تتمكن من إرسال المال إلى لارا. وأضافت: «ما بعرف أديش صار متراكم علينا وإذا فينا نسده ولا لأ بعدين».
وفي تطور موجع، حالت البنوك التي لم يعد بإمكانها الوفاء بديونها بين المودعين وأموالهم فأصبح من يمتلكون مبالغ ضخمة عاجزين عن السحب منها.
وتتعرض الطبقة المتوسطة لضغوط شديدة وتحمّل نداء الحكومة المسؤولية، مثل كثيرين غيرها من اللبنانيين.
ويحاول الساسة الحصول على مساعدات خارجية للمساهمة في تقليص الديون الهائلة لكنهم لم يبدأوا حتى الآن في تنفيذ الإصلاحات التي يطالب بها المانحون المحتملون.
ويقول ديبلوماسيون غربيون إن المشكلة تتفاقم بفعل عجز القيادات عن تشكيل حكومة منذ استقالة الحكومة الأخيرة في أغسطس الماضي، بسبب ما وصفته بالفساد المستشري.
ضاع كل شيء كان محمد كسار (22 عاما) يدرس الطب في عامه الخامس بأوكرانيا بهدف أن يصبح ممارساً عاماً عندما اضطر للعودة إلى الوطن في مايو الماضي لأن والده، الذي أفلست تجارة الأثاث التي يديرها، لم يعد قادرا على تحويل أموال له.
وتحدث كسار عن مرارة فقدان الأمل و«شعور بالقهر… شعور الأمل ما بقى موجود جواتنا كطلاب لبنانيين». مضيفا أن الأعوام الخمسة التي استثمرها في دراسته ضاعت عليه في عام واحد وأنه فقد بذلك الماضي والحاضر والمستقبل، أي كل شيء بعبارة أخرى.
وقالت نادية موسى والدة وسيم هاشم إن كل همها الآن هو توفير ما يقيم الأود.
وتابعت «وين عندك أحلام هون؟ انتي حلمك بس قادرة تأمني أكل؟ قادرة تعيشي؟ قادرة تستمري؟ قادرة توقفي حد ولادك تطعميهم تشربيهم بس الخبز».
أما وائل ديب حاج، الذي يعمل استشاريا ويبلغ من العمر 30 عاماً، فقد ادخر المال طوال سبع سنوات وقبلت جامعة ييل إدراجه في برنامج للحصول على درجة الماجستير في إدارة الإعمال هذا العام. غير أنه بعد طلب وثائق من الجامعة رفض البنك تحويل رسوم الدراسة.
وذكر أنه عندما أودع المال في البنك أبلغ العاملين أنه مخصص للتعليم عندما تصبح الأوراق جاهزة، وقالوا له إن الملف سليم لكنهم طالبوه بنسيان الأمر عندما شاهدوا المبلغ المطلوب تحويله.
وتابع أن هذا المال هو مدخراته بالدولار من عمله وإنه ظل يدخر المال سبع سنوات.
وأضاف أن جامعة ييل وافقت على تأجيل دراساته للعام المقبل. وهو ينوي التقدم بطلب للحصول على قرض لكن القرض سيغطي نحو 80 في المئة فقط من التكاليف ولذا سيضطر للعمل لتغطية بقية المبلغ.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!