الطقس الحكومي هبة تفاؤل وهبة تشاؤم
كتب غسان ريفي في ظل المعلومات السياسية المتناقضة التي ترخي بثقلها على كل من ينتظر ولادة الحكومة العتيدة، ثمة حقيقة واحدة ثابتة وهي أن لبنان لم يعد يحتمل مزيدا من التعطيل ومن ربط مصيره بالتطورات الخارجية إقليميا ودوليا، ما يعني أن الانهيار الكبير بات “قاب قوسين أو أدنى” مع ما يحمله ذلك من ثورة وفوضى وتوترات أمنية قد تستدرج الويلات الى البلاد المفتوحة على كل الاحتمالات والاختراقات.
في ظل هذا الواقع، كانت لافتة التسريبات عن دخول عناصر أجنبية تنتمي لتنظيم “داعش” الى لبنان في إطار محاولتها العودة الى أوروبا، حيث تشير المعلومات الى أن هذا الأمر كان مدار بحث عميق بين القيادة الفرنسية واللواء عباس إبراهيم، حيث تم التشديد على ضرورة أن تكون حدود لبنان البحرية آمنة ومضبوطة لمنع أي كان من إستخدامها للوصول الى الشواطئ الأوروبية خصوصا أن التجارب السابقة وما حمله البحر الى أوروبا ما تزال ماثلة للعيان.
وتزامن ذلك مع إسراع القيادة الفرنسية الى تكثيف إتصالاتها بالمسؤولين اللبنانيين، حيث أكدت معلومات أن الرئيس إيمانويل ماكرون أجرى إتصالا مطولا مع الرئيس نبيه بري، وكذلك مع الرئيس سعد الحريري ووليد جنبلاط، فيما لم تؤكد مصادر قصر بعبدا أو تنفي تواصل ماكرون مع الرئيس ميشال عون،
وذلك بهدف الحث على ضرورة التفتيش عن المخارج، ولو كان الأمر على حساب حكومة “المهمة” التي جاءت بها المبادرة الفرنسية وإستبدالها بحكومة الـ 24 وزيرا التي يتفاءل بعض المطلعين بإمكانية أن تبصر النور قريبا إذا لم تكمن الشياطين في تفاصيل توزيع الحقائب وإسقاط الأسماء عليها.
تقول المعلومات المتوفرة إن بري وجنبلاط نجحا بالمباشر وبالواسطة عبر موفدين في تسويق حكومة الـ24 لدى الحريري، إضافة الى إقناع عون بضرورة القبول بحكومة من هذا الطراز والتنازل عن الثلث المعطل، لكن عون وضع شرطين، الأول قبول جبران باسيل بهذه الصيغة، والثاني مجيء الحريري الى بعبدا لطرح صيغة الـ24 وزيرا عليه ومناقشتها معه،
وقد جاء كلام نصرالله المقتضب عن الحكومة ليضاعف من منسوب التفاؤل الذي يبقى معلقا على موقف باسيل المتحصن بالصمت، خصوصا بعد إنشغاله أمس باستدعاء المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم له في ملف البواخر والعمولات الناتجة منها، حيث أمضى ثلاث ساعات في إستجواب قالت المصادر المواكبة انه سيتجدد خلال الايام المقبلة..
يمكن القول، في حال كانت هذه التطورات الايجابية في الملف الحكومي حقيقية ومعطوفة على التحذيرات التي تطلق من كل حدب وصوب محليا وخارجيا، ربما نستطيع ان نتجاوز الازمة الاقليمية وان يصار الى تهريب الحكومة انطلاقا من قناعة كل الأطراف بأننا أصبحنا أمام الفرصة الأخيرة، وأن لا مصلحة لأي كان بانهيار لبنان ودخوله في فوضى لن يستطيع أحد تحمل تداعياتها الكارثية.
مساحة التفاؤل هذه، تقابلها مساحة مماثلة من التشاؤم، حيث تقول مصادر على خلاف مع بيت الوسط، أن الاتصالات لم تصل الى أي نتائج إيجابية، ما دفع الفرنسيين الى الاعلان عن سقوط المبادرة الفرنسية بشكل نهائي، وأن طرح حكومة الـ24 (3 ثمانات) كان بمثابة بدل عن ضائع، لتمرير مزيد من الوقت،
خصوصا وبحسب هذه المصادر أنه من المستحيل أن يقبل عون وباسيل بعملية التوزيع التي ستعطي رئيس الجمهورية 6 وزراء مسيحيين إضافة الى وزير أرمني (الطاشناق) ووزير درزي (أرسلان) حيث يبقى خمسة وزراء مسيحيين سيصار الى تسميتهم بمعزل عن الرئيس عون.
وتستغرب هذه المصادر كيف أن الحريري ترك كل هذه الاتصالات الدائرة وغادر الى الامارات، لافتة الى أن ثمة عين حمراء بينه وبين جنبلاط لأن طرح الأخير أمام رئيس الجمهورية وقبوله بأي صيغة للتأليف أحرجه كونه ما يزال يرفض اللقاء مع باسيل بالرغم من الرغبة الفرنسية في ذلك، وينتظر ضوءا أخضر سعوديا ربما يسعى الى إيجاد الزر الخاص به في الامارات التي وصلها أمس.
كل ذلك يشير الى الأن الانهيار واقع لا محالة، وأن ما يحصل هو عملية إستعداد للارتطام الكبير وقت يدفع فيه الشعب اللبناني أغلى الأثمان من حياته وكرامته ولقمة عيشه.
في غضون ذلك، شهد يوم أمس تطورين بارزين:
الأول تسريب فيديو البطريرك بشارة الراعي الذي رفع فيه السقف عاليا ضد الحزب بأسئلة وصفت بأنها سيادية.
والثاني المؤتمر الصحافي لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الذي فتح ملف ترسيم الحدود البحرية شمالا مع سوريا.
هذان التطوران طرحا سلسلة تساؤلات حول التوقيت والهدف خصوصا أن فيديو الراعي اتى بعد “سبت بكركي” ، في حين كان كلام جعجع من خارج النص سواء لجهة غض نظره عن إعتداءات العدو الاسرائيلي على المياه اللبنانية، والتصويب على تعاطي سوريا مع هذا الملف، أو لجهة الأوضاع المعيشية الضاغطة التي لم تعد تحتمل أي توتير جديد.
هذا الواقع دفع مصادر مواكبة الى الاتجاه أكثر نحو مساحة التشاؤم، خصوصا بعدما إعتبرت أن ما يحصل هو بمثابة أمر عمليات جديد بأدوات محلية وبأبعاد إقليمية.