“الدعسات” الناقصة وسياسة “حرق المراكب” قد تكون قاتـــــلة
يُقال إن من يعمل في السياسة عليه أن يتوقّع نتائج ما يمكن أن يحصل قبل وقوعه. فالخطوات الاستباقية تكون عادة مضمونة النتائج أكثر بكثير من الخطوات المتسرّعة والمتـــــهورّة وغير المدروسة والمبنية على معلومات ناقصة أو مجتزأة،
إو تأتي كردّة فعل على فعل معيّن، وغالبًا ما تكون هذه التصرفات غرائزية وغير حكيمة.
سمعنا في الآونة الأخيرة الكثير من الكلام حول الوضع الحكومي، ومطالبة البعض رئيس الحكومة بالدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء وليتحمّل المعطّلون مسؤولية ما يقومون به، ولتُعقد الجلسة بمن حضر.
فهؤلاء النافخون في أبواق المزايدات الشعبوية ليسوا أكثر حرصًا من الرئيس نجيب ميقاتي على أن يعقد مجلس الوزراء جلسات متتالية اليوم قبل الغد،
وليسوا أكثر منه توقًا إلى رؤية عودة الحكومة إلى حركتها الإنتناجية، التي كانت قد أنطلقت بها وبزخم. وكان يُنتظر منها الكثير قبل أن يدخل حابل السياسة بنابل القضاء.
ولأن الرئيس ميقاتي هو اليوم في واجهة المواجهات، لأنه يعرف أكثر من غيره أسرار البئر وغطائه، ولأنه يحرص على أن تكون الخطوات التي ستُتخذ مدروسة بدّقة وعناية فائقتين،
بإعتبار أن البلاد تقف على فوهّة بركان لا يعرف أحد متى ينفـــــجر ويأخذ بدربه الصالح والطالح ويأكل في طريقه الأخضر واليابس.
فأي “دعسة” ناقصة في هذا الجو المتوتر والمحموم قد تكون قاتـــــلة. وهذا ما لا يحتاج إليه لبنان، الذي يكفيه ما فيه من مشاكل وأزمات إقتصادية ومالية وإجتماعية وحياتية.
ولأن الرئيس ميقاتي لم يلمس ،من خلال الإتصالات التي قام بها في اليومين الماضيين ،مؤشرات إيجابية بالنسبة إلى إمكانية حدوث أي انفراج محتمل على الصعيد الحكومي، إستمهل دعوة مجلس الوزراء إلى الإنعقاد،
وهو يؤثر القيام بكل الخطوات الضرورية قبل إتخاذ أي موقف قد يبني عليه الآخرون ما يرنه مناسبًا لما يخدم مصلحتهم السياسية.
فكل ما قيل في سياق إمكانية الدعوة إلى جلسة وزارية قريبة لا يعدو كونه أكثر من فرضيات غير مبنية على أسس جدية، وإن كانت هذه الفرضيات تنطلق من حسن نوايا البعض.
فالوضع الحكومي لا يزال حتى الساعة مطّوقًا بالعقبات ذاتها التي أدّت إلى “تطيير” جلسات مجلس الوزراء، سواء بالنسبة إلى التحقيق العدلي في ملف مرفأ بيروت أو بالنسبة إلى مصير المحقق العدلي طارق البيطار،
اضافة الى العقدة الكبيرة التي استجدت مع القطيعة السعودية والخليجية مع لبنان على خلفية تصريحات الوزير جورج قرداحي.
وقد يكون الموقف القضائي الاخير الذي تجلّى بردّ محكمة التمييز لدعاوى مخاصمة الدولة قد عقّد الامور أكثر مما هي معقّدة، مع العلم أن ثمة من يروّج إلى أن المخرج للازمة القضائية والحكومية يقوم من خلال واحد من أمرين:
الاول، يكون عبر مبادرة وزير العدل الى اجراء معيّن بحق المحقق العدلي، على اعتبار ان المحقق العدلي يعيّن بقرار من وزير العدل، وبالتالي،
فإن صاحب الصلاحية بالتعيين بقرار، له الصلاحية بأن يعدل في هذا القرار اذا ما وجد في قرار التعيين انحرافًا او اسبابًا موضوعية للشك والريبة من المحقق العدلي المعين.
إلا أن هذا الطرح يصطدم بموقف حكومي يقول بعدم جواز التدخل في شأن السلطة القضائية.
اما المخرج الثاني فيقول بالفصل في ملف التحقيق، عبر عقد جلسة لمجلس النواب يصار فيها الى احالة المدعى عليهم،
أي الرئيس حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس الى المحاكمة امام المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء،
مع الإشارة إلى أن هذا الطرح تمّ التداول به في اللقاء الثلاثي بين الرؤساء ميشال عون ونبيه بري ونجيب ميقاتي، وهو لا يزال محل متابعة حتى الآن، خصوصا ان ثمة من يتحدث عن امكان مبادرة الرئيس بري،
وانطلاقاً من تأكيده على احترام الاصول الدستورية والقانونية والالتزام بها، الى تحديد جلسة عامة لمجلس النواب لهذه الغاية، بعد عودة رئيس الجـــــمهورية من الخارج، ويُعمل على أن يحضرها نواب “تكتل لبنان القوي”.
وعلى هذا الأساس وبهذه الوتيـــــرة يعمل رئيس الحكومة بتأنٍ ومن دون تسرّع، وذلك تجنّبًا للوقوع في مطبّ “حرق المراحل والمراكب”.