التعبئة العامة قد تسقط في الشارع.. لأن الجوع كافر!…
(بشرى تاج الدين-سفير الشمال)
لم يكن هناك أبلغ من كلام ذاك المواطن اللبناني الذي يعمل سائق فان عمومي، في رده على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون حيث طلب منه تفسير العبارة التي وردت في خطابه، وهي ″إعملوا من منازلكم تجنبا لخطر كورونا″، فقال بحرقة: ″شو يعني بعمل برمة بالصالون وبقول أشرفية قدام والدورة ورا.. طلعي يا مدام وإنزل يا (…)″.
هذا الكلام العفوي الذي يختزن كثيرا من المعاناة والغضب، هو لسان حال الأكثرية الساحقة من اللبنانيين الذين وجدوا أنفسهم ممنوعين من مزاولة أعمالهم ويخضعون لإقامة جبرية في منازلهم بسبب وباء كورونا الذي أعلنت الحكومة اللبنانية التعبئة العامة لمواجهته والحد من إنتشاره من خلال عدم الاختلاط بين المواطنين والبقاء في المنازل.
لا شك في أن قرارات الحكومة منطقية، خصوصا أن أي دولة في العالم تسارع الى إتخاذ تدابير إحترازية عندما يحيط أي نوع من المخاطر بمواطنيها وصولا الى إعلان حالة الطوارئ ومنع التجول في حال كان ذلك في مصلحة المواطنين.
وبما أن أكثرية الشعب اللبناني ترزح تحت خط الفقر وتعمل لتحصيل كفاف يومها، فإن هذه القرارات التي تجبر اللبنانيين على إلتزام منازلهم وتعطيل مصالحهم ومنعهم من مزاولة أعمالهم كان من المفترض أن تترافق مع تدابير إجتماعية ـ إنسانية للتخفيف عن كاهل المواطنين الذين عندما كانوا يعملون ليل نهار لم يكونوا قادرين على تأمين لقمة العيش، فكيف بهم اليوم في ظل العطلة القسرية والحجر المنزلي المفروضين عليهم.
مشكورة حكومة حسان دياب التي أتحفت اللبنانيين في جلستها يوم أمس بطرح أفكار حول كيفية مساعدة العائلات الفقيرة المسجونة في منازلها أو غرفها الضيقة، والى أن يحين تحويل هذه الأفكار الى طروحات، والطروحات الى إقتراحات، والاقتراحات الى قرارات، والى أن يتم التوافق السياسي على هذه القرارات لتدخل حيز التنفيذ، يكون معظم اللبنانيين بدل أن يموتوا من الكورونا قد ماتوا من الجوع.
لا يحتاج الأمر الى أفكار ولا الى إجتهاد، بل الى خطوات حكومية تنفيذية سريعة تُسعف الفقراء العاطلين عن العمل الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم وأغلبهم من المياومين الذين إن عملوا أكلوا وإن تعطلوا جاعوا، فهل فكرت الحكومة كيف يمكن أن يعيش هؤلاء في ظل التعبئة العامة التي أعلنتها؟، وهل فكرت في حماية البعض ممن يعملون في القطاع الخاص والذين قد يخسرون أعمالهم بسبب هذا التعطيل؟، وهل فكرت الحكومة في كيفية تخفيف الأعباء عن كاهل المواطنين في رسوم الكهرباء والهاتف والمياه والاشتراك والميكانيك وغراماته الشهرية والتي تنهال فواتيرها على المواطنين في ظل هذه الضائقة؟، وهل فكرت الحكومة في كيفية تأمين أبسط مقومات العيش لأسرى المنازل؟، وأين وزارة الشؤون الاجتماعية؟ وأين برامج الأسر الأكثر فقرا؟ وأين المساعدات الاجتماعية العاجلة؟، ولماذا لم يصدر عن وزيرها رمزي مشرفية أي إقتراح حول مساعدة المواطنين المعزولين في منازلهم؟ أم أن وزارة السياحة إستهوته أكثر فأعطاها كل وقته على حساب فقراء الوطن؟.
كثيرة هي الدول التي حرصت على أن تترافق قرارات العزل خوفا من كورونا بمساعدات مالية وإجتماعية، وهي وضعت كل ما لديها من قدرات وإمكانات في تصرف شعبها، أما في لبنان فإن الحكومة تفرض قرارات مبتورة غير قابلة للتنفيذ، خصوصا أن السماء اللبنانية لا تمطر مالا ولا ترسل موادا غذائية أو طبية، بل ذلك يحتاج الى خطوات عملية من حكومة ما تزال بعيدة عن أزمات الناس كما عن ثقتهم.
التعبئة العامة على أهميتها ربما لن تصمد وقد تسقط بعد أيام قليلة في الشارع، لأن الجوع كافر كما المرض، ولا يمكن لجائع أن يلتزم بقرارات حكومة تحمل همّ صورتها أكثر مما تحمل همّه وهمّ تأمين أبسط مقومات عيشه.
(تي ان ان)