الانذار الاخير انقذوا طرابلس من جبل النفايات

لم يعدم أبناء طرابلس وسيلة في العمل على لفت أنظار الدولة اللبنانية الى القنبلة الموقوتة المدمرة المتمثلة بجبل النفايات الجاثم على بيئة وسلامة الفيحاء، وصولا الى ممارسة كل أنواع الضغط عليها لدفعها الى القيام بالمعالجات المطلوبة حماية للمدينة وأبنائها من المخاطر الكبرى التي قد تنتج منه.

من الاعتصامات المتتالية المطالبة بإزالة جبل النفايات، الى العرائض التي رفعت أكثر من مرة الى أكثر من جهة ومسؤول، الى التقارير الصحافية التي أظهرت حجم الأضرار الناتجة منه، الى الندوات التي عقدت، والتحركات التي قام بها نواب طرابلس مجتمعين ومنفردين،

لا سيما قيام وفد من كتلة “الوسط المستقل” بزيارة محافظ الشمال رمزي نهرا برغم الخلاف معه ورئيس إتحاد بلديات الفيحاء حسن غمراوي لاطلاعهما على واقع جبل النفايات،

ومطالبتهما بوضع دراسة مفصلة عنه تمهيدا للبدء بالمعالجات، لكن أحدا منهما لم يحرك ساكنا، لتستمر ملاحقة كتلة “الوسط” لغمراوي الذي عاد وإلتزم أمامها بإعداد الدراسة المطلوبة لكن شيئا من هذا القبيل لم يحصل، لتتقدم نقابة المهندسين بدراسة أعدها مختصون أكدوا فيها أن جبل النفايات يختزن كميات هائلة من غاز الميتان وهو مصدر تلوث كبير جدا،

ومصدر خطر على سلامة الطرابلسيين في حال تعرض للانفجار بفعل الضغط الذي يتنامى فيه، وصولا الى تحرك المجتمع المدني الطرابلسي عبر دعوى قضائية ضد كل من يثبته التحقيق فاعلا أو شريكا أو متدخلا أو متسببا بالاساءة الى بيئة المدينة وتهديد سلامة أهلها.

اللافت، أن دعوى قضائية بهذه الأهمية كونها تعني شعب العاصمة اللبنانية الثانية وجوارها، لم يتم التعاطي معها بالمستوى المطلوب، حيث أحالها مدعي عام التمييز الى النيابة العامة وكأنها دعوى عادية بين طرفين، بينما كان يفترض أن يسارع لتحويلها الى المباحث الجنائية المركزية وأن تشكل حالة إستنفار لدى كل الأجهزة خصوصا أن الانفجار الذي يخشاه الخبراء البيئيون قد يكون مماثلا لانفجار مرفأ بيروت.

قبل أيام حضر الى لبنان من أميركا خبراء بيئيون يعملون لدى شركات من القطاع الخاص في الولايات المتحدة، وقد زاروا قيادة الجيش للسؤال عن الأماكن التي توجد فيها مواد خطرة معرضة للانفجار وذلك لكي لا تتكرر مأساة مرفأ بيروت،

فتم إرشادهم الى جبل النفايات في طرابلس، فسارعوا الى زيارته ثم عقدوا إجتماعا بيئيا موسعا في غرفة التجارة جرى خلاله عرض لكل التفاصيل المتعلقة به وما ينتجه من أضرار ومن مخاطر.

هذا الواقع، يشير الى أن مخاطر جبل النفايات حركت الولايات المتحدة الأميركية بهدف إنقاذ نحو مليون نسمة يعيشون في محيطه، فيما السلطة السياسية غارقة بخلافاتها حول تشكيل الحكومة وبتسجيل النقاط على بعضها البعض، وكأنها تعيش على كوكب آخر.

كان في لبنان أربعة “جبال نفايات” هي: “النورماندي” الذي تحول الى الواجهة البحرية لبيروت (البيال)، “صيدا” الذي تحول الى حديقة عامة، “برج حمود” الذي تحول الى مطمرين صحيين، و”جبل طرابلس” الذي ما يزال قائما بارتفاع أكثر من 45 مترا، ما يشير الى حجم الاهمال والحرمان الذي تواجهه المدينة من قبل الدولة اللبنانية.

أنشئ مكب النفايات في طرابلس عام 1990، كمكب مؤقت الى حين إقرار خارطة المكبات في كل المناطق اللبنانية، وكان مقررا إغلاقه في العام 2005 والتفتيش عن بديل آخر، لكن الظروف الضاغطة حالت دون ذلك، فتم تمديد العمل فيه لمدة خمس سنوات إضافية، ومن ثم لثلاث سنوات، حتى فقد كل وظائفه في العام 2013،

لكن العمل إستمر فيه بشكل مخالف لكل القواعد البيئية حتى العام 2018 ليتحول الى جبل بارتفاع 45 مترا، حيث تم إنشاء مكب بديل مؤقت أيضا بالقرب منه لمدة ثلاث سنوات الى حين التفتيش عن بديل، وقد مضت سنتان من دون إيجاد هذا البديل، في وقت يسير فيه المكب المؤقت على خطى جبل النفايات.

هذه العشوائية في التعاطي، جعلت طرابلس أمام مكبين، الأول القديم الذي تحول الى جبل تتفاعل فيه كميات هائلة من الغازات المضغوطة والتي تلوث البيئة وتحمل السموم والأمراض، وربما تعرضه للانفجار الشديد، علما أن الجبل مهدد بالانهيار والسقوط في البحر نظرا لتصدع جدرانه، وفي حال حصل ذلك،

فإن التلوث الهائل سيجتاح كامل البحر الأبيض المتوسط وصولا الى شواطئ الدول الأوروبية التي قد تتجه الى رفع دعاوى قضائية والمطالبة بتعويضات مالية من لبنان المنهار إقتصاديا بالأساس، والثاني هو المطمر الصحي حيث يتبين أن المتعهد لم يلتزم بالمعايير الصحية والتقنية المطلوبة.

اليوم ثمة عشوائية تعتمد في العمل ضمن المكب البديل، وهناك معلومات تشير الى أن كميات من النفايات ترمى فوق “الجبل” لقاء أموال مقطوعة يتم دفعها نقدا على كل شاحنة، وصحة أبناء طرابلس تبقى مهددة مع سلامتهم من أي إنفجار قد يحصل، لذلك فإن طرابلس برمتها تطلق إنذارا أخيرا،

وتحمّل المسؤولية الى الشركة المتعهدة لجبل النفايات والمكب البديل (باتكو)، وإتحاد بلديات الفيحاء، ومجلس الانماء والاعمار، ووزارة البيئة والحكومة اللبنانية والسلطة السياسية، فهل من يستجب لهذا الانذار، أو يتعظ ويحمي طرابلس مما حصل في مرفأ بيروت؟!..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!