الاكتظاظ في السجون يهدد بكارثة وطنية…
في خضم الصراع المحتدم بين الأطراف السياسية حول تشكيل الحكومة الجديدة، ترتفع صرخات السجناء والموقوفين في سجن رومية، ويتظاهر أهاليهم في الشوارع والساحات مطالبين بسرعة الإفراج عن الذين قضوا فترة توقيفهم، وبدء محاكمات المتهمين بقضايا أمنية وغير أمنية، ومضى على وجودهم في السجن بضع سنوات.
كل دول العالم اتخذت تدابير استثنائية منذ انتشار جائحة الكورونا، قضت بالإفراج عن عشرات الآلاف من المساجين الذين قاربوا على انتهاء مدة عقوبتهم، أو أولئك الذين تميزوا بالسلوك الحسن طوال فترة وجودهم في السجن.
وشمل العفو أيضاً أصحاب الجنح، وبعض الجنايات ذات الطابع المدني، وكل ذلك من أجل تخفيف الإزدحام في السجون، وتجنب تفشي الوباء الخبيث بين السجناء، مع العلم أن معظم سجون العالم تُراعي المعايير الدولية لعدد السجناء بالنسبة للمساحات المتاحة، والتي تقدر مبدئياً بمعدل ثلاثة أمتار على الأقل لكل سجين.
ثمة دراسات أجرتها دوائر قضائية متخصصة عن الاكتظاظ الحاصل في السجون اللبنانية، وخاصة في سجن رومية، تُبين أن ثمة ألف سجين في رومية فقط، (ما يعادل ثلث عدد السجناء تقريباً)، قضوا فترة توقيفهم التي تتراوح بين ستة أشهر وسنة، بجنح مختلفة،
ومع ذلك ما زالوا محتجزين في السجن، دون تنفيذ التدابير القضائية الواجب اتخاذها للإفراج عنهم. وتُبرر بعض المراجع القضائية هذا التأخر الحاصل من قبل القضاء إلى ظروف التعبئة العامة وتوقف الدوامات في فترة إنتشار كوفيد ١٩، حيث ما زالت دوائر العدلية في بيروت والمناطق تعمل بأقل من نصف طاقتها!
ولفتت الدراسة المذكورة إلى أن ثمة ما لا يقل عن خمسمائة سجين لا يستطيعون تسديد الغرامات المفروضة عليهم، والتي تتراوح بين مائتين ومليون ليرة، ليتم الإفراج عنهم، وتخفيف التكدس الحاصل حالياً في سجن رومية، والذي تجاوز كل الخطوط الحمر.
ولا ندري إذا كان وزيرا الداخلية والعدل يعلمون أن النظارات القضائية والأمنية المختلفة تعج بالموقوفين فوق طاقة استيعابها بكثير، مما أدى إلى رفض استقبال المزيد من الموقوفين، الأمر الذي يتطلب إتخاذ تدابير عاجلة وإيجاد الحلول المناسبة.
إن استمرار هذا الإهمال الرسمي الفادح للإكتظاظ في السجون ومخاطره على السجناء وعائلاتهم في زمن الكورونا، يُنذر بوقوع كارثة بشرية ووطنية جديدة، تُضاف إلى سلسلة الكوارث التي لطخت تاريخ المنظومة السياسية الحاكمة.
أما ملفات الموقوفين بتهم الإرهاب والمخدرات فلها حديث آخر، وهي تتطلب اعتبارات أخرى!