إليكم المقال الذي أرعب المشاركين بظلم الناس وقتلهم على البطيء.
خيبة أهالي الموقوفين برسم الحسابات السياسية
هكذا شكر الحريري جمهور السنّة في لبنان
_حسين خريس_
لا عفوَ عن ملف العفو العام المشروط والمقيّد بحدود المتهمين من الذين ثبتت بحقهم تهمة الإرهاب الفضفاضة ومن الذين لم تثبت عليهم هذه التهمة.
فمرحلة الإغراء بهذا المطلب وابتزاز أهالي الموقوفين المندرجين تحت اسم “الإسلاميين” وغيرهم قد أدَّت غرضها بعد سقوط أصواتهم في صندوقة الاقتراع ومع هذه الأصوات سقطت الوعود من السماء إلى الأرض لا بل إلى أسفل السافلين.
وحده فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون لم يستعمل العفو عن الذين لجأوا إلى فلسطين المحتلة من الموارنة ومؤيديه كرشوةٍ في ميزان اجتذاب الأصوات إلى فريقه السياسي بل عمل فريقه القانونيّ على تسوية أوضاع عددٍ ولو ضئيل منهم كان قد عاد إلى لبنان وقد بات هذا الأمر معلومًا لدى الأوساط القانونية بل موثّقًا وقد تحفظّت المصادر التابعة لها عن ذكر أسمائهم ل”جنوبية” لعدم الضرر بالعفو عن الآخرين من المسلمين.
أمّا بالنسبة إلى الشارع الشيعي فإنَّه ممسوكٌ من قبل قيادتي حزب الله و حركة أمل لأسباب عديدة وهي:
١- عدد المطلوبين وإن كان يتخطّى ثلاثين ألف مطلوب إلا أنَّ ٧٠ في المئة منهم خارج السجون وبالتالي فإنَّ تأجيل الوعد إلى مدى منظور لن يكون مضرًّا لهؤلاء بل مفيدًا للقلّة القليلة التي تستثمر هذا التأخير لتصريف ما لديها من تجارة الممنوعات على اختلافها.
٢- الشريحة الشيعية البقاعية موعودةٌ بتنفيذ هذا العفو في آب المقبل وهي قد اعتادت تنفيذ ما تعد به قيادتها السياسية لذلك هي لا تتعرّض لظروف الشريحة السنيّة القاسية التي يرزح أبناؤها في السجون ومعظمهم من الذين لم تصدر أحكام بحقهم بعد.
٣- معظم المطلوبين غير الموقوفين الشيعة موجودون في بقعة جغرافية واحدة وهي البقاع وبالتالي فإنَّ نيّةَ تحريك ملفهم إذا ما تُرجِمت ستُنَّفذ دُفعةً واحدة وبسرعة أكبر من تنفيذ ملف الموقوفين السُنّة باعتبار أنَّ كتلة نوابهم هي وحدة واحدة ستتولّى تنفيذ المهمّة من دون عراقيل في التنسيق ورفع الأمر إلى الصفّ الشيعي الأول الذي ما عليه سوى التوقيع لتأكيد الموافقة.
أمّا الموقوفون من السُنّة فيعيشون يُتمًا سياسيًا لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان بسبب عدم صدور أي معلومةٍ رسميةٍ حتى الساعة من المرجعية المتمثلة برئيس الحكومة سعد الحريري واقتصار تحريك الطبخة دون نار تحتها من قبل بعض نواب طرابلس والشمال المحسوبين على تيار المستقبل والذين يعانون الأزمة السابقة نفسها وهي اعتماد بيروت مرجعًا أساسًا في إيصال المطالب إلى الحريري عقِب تجاوز مرحلة الانتخاب وقطع خطوط التواصل مع العاصمة بعد تأمين المقاعد البرلمانية.
أمّا غير المحسوبين على المستقبل كالرئيس نجيب ميقاتي فهم غير فاعلين في إشعال النار تحت هذه الطبخة لإصدار طبق العفو الذي قبل أن يصبح جاهزًا ذاق المعنيون به مرارته قبل تذوّقه.
أيتام العفو العام من السنّة هم أنفسهم أيتام المرجعية السياسية السنّية التي اعتمدت التسويف سلاحًا فتّاكًا يُميت أهالي الموقوفين على البطيء وقد أصاب والدة الموقوف محمود دهشان التي فارقت الحياة من دون أن تجتمع بابنها المتهم بالمشاركة في أحداث عبرا.
وقد ظهرت جليًا فضيحة عدم امتلاك السجين أي حق من حقوقه الإنسانية مع الموقوف منذ ما يقارب الأربع سنوات محمد الصباغ المصاب بالسرطان والذي لم تنته محاكمته بسبب الإجراءات الروتينية والتأجيلات المتكررة والذي أبلغه الأطباء بأنه يحتاج إجراء عملية خطرة نسبة نجاحها ١% وعلى نفقته الخاصة.
وقد تقدم المعالجون بأكثر من ١٠ طلبات لإخلاء سبيله باءت كلها بالفشل لتُكتب حالته في سجّل العدالة اللا إنسانية.
زعيم السنّة السياسي الرسمي سعد الحريري لم ينبس ببنت شفة عن العفو الموعود لا في الغرف المغلقة ولا تحت الطاولة ولا أمام الإعلام رغم اجتماعه أكثر من مرة برئيس الجمهورية العماد عون وبرئيس مجلس النواب نبيه بري، والأوساط المقربة منه تعزو هذا التأخير إلى تصدّرِ أولوية تأليف الحكومة على كل الملفات والأعذار الأخرى المتعلقة بوجوده خارج البلاد من روسيا إلى المملكة العربية السعودية وتتناسى الأوساط نفسها أنّه المطالب الأول بمحاسبته إذا لم يفِ بما وعد، وهنا يسأل المتابعون لملف العفو عن آلية هذه المحاسبة ولا يجدون أنّها تتعدّى الكلام ولا تصل إلى مرحلة الحبر على الورق.
أمّا السكوت عن هذه الحال فلن يدوم طويلًا خصوصًا بعدما أمِل أهالي الموقوفين”الإسلاميين” بأن قائدهم سيلتفت إلى ضرورة أن يعيَّد ذووهم من السجناء خارج القضبان لاعتقادهم بأنَّ الراعي الصالح كما بدا لهم قبل الانتخابات في أكثر من لقاء لا يرضى بأن يشعر بسرور الاجتماع مع أطفاله دون أن تعيش رعيّته المشاعر نفسها بعد شهر رمضان الذي انقضى والعيد الذي لفظ أنفاسه الأخيرة.
الشارع هو المنبّه الوحيد لإيقاظ الزعيم من الغفلة عن أولويات الناس الذين انتخبوه ولو أنّه ينادي بالمواطنة الشاملة من دون تفريق إلّا أنّه نال الفوز بأصوات طائفته شاء ذلك أم أبى.
التحركات المقبلة التي ستفآجئ القيادة السنية التي تسمّي نفسها ليبرالية وتمارس هذه العقيدة على كل طوائف البلد باستثناء طائفتها، ستفرض تغيير مسار بوصلة الأولويات التي يشارك معظم الإعلام المرئي في تضليل اتجاهاتها عبر تسليطه الضوء في كل فترةٍ على المواضيع السياسية الكبرى بدءًا من شكل قانون الانتخاب مرورًا بأحجام الأحزاب التي احتلّت مجلس النواب وصولًا إلى النزاع على الحصص الوزارية لكل فريق،وهذه كلها لا تعني المواطن المحروم من حقوقه،بل تقذف بهمومه من ضفةٍ إلى أخرى دون الوصول إلى برّ الأمان ومن ملعب سياسي إلى آخر دون تحقيق هدف ينشله من تعاسته الاجتماعية.
هي خيبة تلفح وجوه أهالي الموقوفين السنّة من الجنوب في عبرا إلى الشمال في طرابلس والضنيه وعكار، خيبةٌ مصحوبةٌ ببصيص أمل في استجابة دعائهم الطويل الذي عايش فترة تشتت مجتمع كامل ابتعد فيه الآباء والأمهات عن الأبناء وتجاوز فيه أطفالٌ أعمارهم إلى مرحلة المراهقة وهم يكبرون على آمال لقاءٍ بآبآئهم لم تتحقق بعد.
أطفال كبار مهددون بحمل الأحقاد على مرجعية سياسية تتعامى عن إعادة لمّ شمل عائلاتهم وهي بالتأكيد ستُتَرجم إلى محاسبةٍ حقيقية في الموسم الانتخابي المقبل هذا إن لم تتحول إرهابًا حقيقيًا على كل من منعهم من البدءِ بحياة جديدة.