أين الثورة الطرابلسية وأين الثوّار؟
*
لم يبق في ساحة عبد الحميد كرامي (النور)، أو ساحة الثورة كما تسمّى في عروس الثورة طرابلس، إلا خيمة فادي ابراهيم الصغيرة، التي نصبها وسط الساحة وينام فيها وحيداً، بعدما أزيلت مظاهر الثورة منها، وفتحت الطرقات بكلّ مساربها. وفي حين، يصرّ ابراهيم على أنّ باقي الثوار تخلّوا عن ثورتهم، لدى هؤلاء آراء أخرى في ما خصّ الثورة ومكانها وجدواها وفعاليتها.
فمنذ انطلاق ثورة 17 تشرين الماضي، شكّلت ساحة النور مقرّاً رسمياً للثورة ولثوّار طرابلس ومختلف المناطق الشمالية. في تلك الفترة، كان وهج الثورة وبريقها يلمعان في كل لبنان، وفي مناسبات كثيرة، قصدها ثوار من مناطق لبنانية أخرى، لا سيما من بيروت وصور وغيرهما. لم يكن الحديث حينها عن إعادة فتح مسارب ساحة النور وإزالة مظاهر الثورة بالأمر السهل؛ إذ ليس في مقدور أي كان أن يتحدّث فيه، لأن ثمّة رأي عام طرابلسي ولبناني عريض، يريد أن تتفاعل ساحة الثورة من طرابلس، مع مختلف الساحات على امتداد الوطن. بعد أشهر على إغلاق الساحة وتحويلها مقرّاً ثورياً بكلّ ما للكلمة من معنى، برزت أصوات التجّار وأصحاب المحلات في ساحة النور والشوارع والأسواق الأخرى، تُطالب بإعادة فتح الساحة، لأنّ أوضاعهم المعيشية لم تعد تحتمل.
أين الثورة الطرابلسية الآن؟
يوميات الثورة في طرابلس تشبه تلك التي كانت تحصل في باقي مناطق لبنان، مع فارق إضافي، هو أنّ ثورة طرابلس أبرزت كلّ ما في المدينة من فقر ومآسٍ، عبّر عنها أصحابها من خلال تواجدهم في ساحة النور وأمام الإعلام. كان كل شيء في طرابلس ينبض “ثورة”، حتى سِيَر أهل السياسة في المدينة وأخبارهم، غابت هي الأخرى، لتحلّ محلها أخبار ناشطي الثورة من أبو محمود شوك وربيع الزين وغيرهما الكثير. ولكن كيف هو الوضع الآن؟
حالياً، غابت مظاهر الثورة وفعالياتها عن المدينة، فساحة النور أُعيد افتتاحها، والمجموعات الثورية انكفأت عن نشاطها المعتاد في إقفال المؤسسات وتعطيل المصارف، وقطع الطرقات، حتى المسيرات الشبابية والطلابية التي كانت تجوب طرابلس بشكل يومي ومستمرّ، لم يعد لها أثر، وكأنّ هذه المظاهر أصبحت شيئاً من تاريخ المدينة. أين أصبحت الثورة الطرابلسية. سؤال يسأله الكثيرون، وفي محاولة للإجابة عليه، يقول رئيس “حراس المدينة”، وهي المجموعة الشبابية التي كانت تدير فعاليات ساحة النور في زمن الإعتصام، أبو محمود شوك لـ”نداء الوطن”: “إكتشفنا أنّ كلّ ما حصل في طرابلس لم يكن له أي تأثير يُذكر على السلطة وإنّما تضرّر منه أهل المدينة فقط. الإعتصامات والتحرّكات يجب أن تحصل في بيروت العاصمة، لأنّه في نظام مركزي مثل لبنان، تتركّز فيه كل الإدارات والمؤسسات الرسمية والمجالس والرئاسات في بيروت، فلا جدوى من أي تحرّك يحصل خارج بيروت، سوى أنّه يعرقل أهل المنطقة”. ويؤكّد شوك أنّ “الثورة لم تنتهِ بالتأكيد، لا بالنسبة إلينا كطرابلسيين، فأغلب المشاركين في ساحة الشهداء هم أهالي الشمال، لا سيما طرابلس والضنّية وعكار، ولا بالنسبة إلى ثوار البقاع وبيروت وكلّ المناطق، ما حصل فقط هو تغيير في تكتيك الثورة، وتعديل في آليات العمل والنشاطات، حتى تكون أكثر فعالية وتأثيراً على السلطة والحكم”. على المقلب الآخر، عاد الزعماء السياسيون في طرابلس الى استنهاض أنفسهم ولو بالمواقف، خصوصاً بعدما مرّت عليهم شهور صعبة انكفأوا خلالها عن ممارسة أي نشاط لصالح ظهور أسماء شبابية وثورية احتلّت الساحتين الإعلامية والشعبية. شوك أحد أبرز تلك الأسماء ما زال، كما يؤكّد، “في صلب الثورة، يشارك الآن مع شبابه في أيّ حراك سلمي يحصل”، ويساهم “في دعم متضرّري انفجار مرفأ بيروت”، بينما لم تلحظ للناشط ربيع الزين أي حركة تُذكر على خطّ الثورة، منذ خروجه من السجن قبل ثلاثة أسابيع.