أنقذوا لبنان من شياطين الرمان
صحيح أنّ الموسم ليس موسم رمّان في لبنان، بل مواسم تهريب على مدار الأعوام والأزمان والفصول، ولكنّه بالتأكيد موسم الجحيم اللبناني بناره الملتهبة، نارٌ لم يكن ينقصها سوى محارق أبالسة الكبتاغون لتشتعل أكثر فأكثر،
وتدمّر ما تبقى من منافذ للمزارع اللبناني إلى المملكة العربية السعودية، ومنها إلى باقي دول الخليج، لتصريف إنتاجه في عزّ الموسم الزراعي.
وككل قضية في وطننا المنكوب، يقف اللبنانيون منقسمين، لدرجة أنّ بعضنا المفضوح الأجندات، أخذ يلوم المملكة العربية السعودية على قرارها القاضي بمنع دخول الخضار والفاكهة اللبنانية إليها،
أو العبور من خلال أراضيها بدءًا من اليوم “إلى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذ لبنان الإجراءات اللازمة حيال وقف عمليات تهريب المخدرات”،
وبعضنا الآخر راح يدعو لاجتماعات ستنعقد بعد ثلاثة أيام من واقعة الرمان، إذ لا شيء يدعو للعجلة، أو بالأحرى بعجلة أو من دونها لا ضمانات ولا إجراءات تحاكي هول الفضيحة، بل قرار بحدود سائبة عن سابق تصور وتصميم، وبرعاية فائض القوة وخنجره المغروس بخاصرة الوطن.
ولأنّنا من يدفع الأثمان من عيشنا وأرواحنا وحاضرنا، نرى أنّنا عاجزون عن استخدام العبارات الدبلوماسية، لتوصيف إجرام المتواطئين اللبنانيين في شحنات الرمان المسموم، من مخططين ومافيات وتجار وأمنيين سهّلوا عبورها إلى المملكة من الأراضي اللبنانية، وقضوا على أمل المزارع اللبناني.
الخسائر الإقتصادية في هذا التوقيت بالذات، حيث لبنان بأمس الحاجة إلى دولارات التصدير، جسّدتها على مدى يومين لغة الأرقام، وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس مرتضى أعلن أنّ الصادرات اللبنانية للسعودية تبلغ 24 مليون دولار سنويًا،
بدوره رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك استند إلى أرقام عام 2020،
ليقدّر إجمالي الصادرات اللبنانية الزراعية إلى الخليج التي تمر بالسعودية بـ 52%، موضحًا أنّ حجم إجمالي صادرات لبنان من الخضار والفاكهة حوالي 312 ألف طن سنويًا، أي ما يوازي 145 مليون دولار، منها 50 ألف طن للسعودية بمبلغ 24 مليون دولار.
لكن ماذا عن الخسائر السياسية لتلك الواقعة التي أظهرت لبنان أمام العالم بلدًا سائبًا؟ ماذا لو حذت باقي الدول حذو السعودية، خصوصًا أن تهريبًا مماثلًا ومن لبنان أيضًا وبالتوقيت نفسه كُشف في الجغرافيا اليونانية؟
دول الكويت والبحرين والإمارات أيدت القرار السعودي، ولم تنتظر الإجراءات الموثوقة التي طلبتها المملكة من لبنان لمنع شحنات المخدرات، ربما لأنّها تدرك أنّ الضمانات المطلوبة لن تصل إلى الدول الخليجية، بعدما باتت الطريق من بيروت إلى هناك طويلة ومزروعة بألغام الأقاليم.
في قراءة ل” الرمان المفخخ” وما تبعه من قرار سعودي بوقف الصادرات اللبنانية، وضع السفير اللبناني السابق الدكتور هشام حمدان موقف المملكة في سياق طبيعي “انطلاقًا من موقعها في حالة الدفاع عن النفس”.
وفي حديث ” قال “بكل وضوح هناك حرب شعواء تستهدف السعودية من قبل إيران، والأخيرة لا تريد محاربة إسرائيل على عكس ما تسوّق له، بل عينها على المملكة، والإشكالية بالنسبة لها هي عقائدية إيديولوجية عمرها حوالي 1400 عام،
وما الكبتاغون سوى أداة من أدوات الحرب الأساسيّة التي تدمّر المجتمع من الداخل وتتسبب بانهياره أخلاقيًّا ونفسيًّا ومعنويًّا واقتصاديًّا وتدر لأصحابها الأموال. ضرب السعودية بحبوب الكبتاغون شبيه بضربها بالصواريخ”.
سألنا حمدان، من موقعه كعضو منتدى سفراء لبنان، ودكتور في القانون الدولي العام، عن ماهية الإجراءات التي يفترض بوزارة الخارجية وبالدولة اللبنانية ككل أن تتخذها، ليس فقط لتعيد طريق التصدير إلى السعودية ومنها إلى باقي دول الخليج،
بل لترمّم العلاقة المتصدّعة مع المملكة فأجاب حمدان “أنا سفير لبناني أسأل بكلّ صراحة هل هناك دولة في لبنان أصلاً؟ وهل ترك الوزير السابق جبران باسيل دولة في لبنان منذ توليه وزارة الخارجية عام 2003؟ لم يكن باسيل في وزارة الخارجية يمثّل سياسة لبنان ولا حماية المسيحيين،
بل كان يستغلّ “الخارجية” للوصول إلى رئاسة الجمهورية، فسعى لخدمة أهداف إيران تحديدًا في الشرق الأوسط، حيث كان يتكلم بخطاب يناقض خطابه في الدول الأوروبية حيال الحزب.
منذ ذاك الحين تحوّلت وزارة الخارجية إلى مشاع للأحزاب، وانتهى دورها كممثل للسياسة الحكيمة للبنان، سياسة الحياد الإيجابي واللا انحياز.
وزارة الخارجية لا تجسّد سياسة لبنان الخارجية، بل تمثّل فئة سياسيّة في لبنان وتعكس أهدافها وأغراضها فقط”.
عن معاقبة السعودية للبنانيين كافة على خلفية واقعة الرمان وانكفائها عن لبنان، قال حمدان “غير صحيح، السعودية لو أرادات أن تشتري بالهوبرة والسلاح والمال لكانت فعلت، ليس هذا المطلوب من قبلها،
فالمملكة على دراية باتجاه العالم الجديد ولا تعمل بالعواطف. وبتداعيات ما حصل لا يجب أن نلوم أحدًا، بل يجب أن نلوم أنفسنا، يهربون المواد المدعومة إلى سوريا، يتاجرون على ظهر اللبناني، فهل السعودية المسؤولة عن ذلك ؟
حوّلوا لبنان إلى ساحة حرب مفتوحة، وفي الحرب لا ضوابط، المليشيات المسلّحة تحكم البلد، وهناك طرف لبناني اتهمه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي بشكل علني بتنفيذ الإجندة الإيرانية،
متلطّي بالهوية اللبنانية، ولكن فعليًا هو امتداد لإيران بكل النواحي العسكرية منها والعقائدية، وهذه الحقيقة يعلنها الحزب بلسانه”.
الحل الوحيد برأي حمدان يكمن بصرخة لبنانية إلى مجلس الامن، يحملها البطريرك الراعي ومعه القيادات الروحية الحرّة، الى الأمم المتحدة، ولا يعودوا قبل تحقيق قرارات أممية تحيّد لبنان وتنقذه.