لبنان ينـــــزلق الى تضـــــخم مفرط وأسعار السلع الى ارتفاعات جنونـــــية
تُسابق أسعار السلع في تصاعدها دولار السوق الموازية، وترتفع بمجرد الحديث عن ارتفاع كلفة استيراد المـــــحروقات، حتّى قبل أن يصبح الأمر واقعًا. كل ذلك يحصل ووزارة الإقتصاد في كوكبها الخاص،
لا تنزل إلى حيث نحن، إلّا في حالة واحدة، عندما ترفع سعر ربطة الخبز، عندها فقط نتذكّر أنّ في لبنان وزيرًا للإقتصاد، وما عدا ذلك ينام معاليه نومة أهل الكهف،
إلى حين موعد إعلانه عن ارتفاع جديد في سعر الخبز، لا توقظه مشاهد احتـــــكارات تجار الدواء وحليب الأطفال والمحـــــروقات، فهو حتمًا غير معني، لسبب نجهله.
بأيّ حال لا ننتظر منه شيئًا، فالحكومة المستقيلة كلّها “راوول نقمـــــة” أو “نعمة”، استقالت من مهمة تصريف شؤون الناس الأكثر إلحاحًا، وانضمت إلى صفوف المتفرّجين على الإنهـــــيارات تتوالى في كلّ القطاعات،
أداءٌ وحده يجب أن يشكّل دافعًا أخلاقيّا وإنسانيًّا ووطنيًّا لتشكيل حكومة اليوم قبل الغد، فالجـــــوع يطرق الأبواب والمستشـــــفيات تدقّ ناقـــــوس الخطـــــر مع اقتراب نفاد مادة المازوت، ما يعرّض المرضـــــى للمـــــوت المحتّم.
شمس الدين: ارتفاع إضافي في أسعار السلع بين 15 و25 %
أزمة الأسعار الجنونية يبدو أنّها ستشهد قفزات إضافية، مع صيغة نصف دعم للمـــــحروقات على دولار ال 8000 ليرة، والتي تنتهي مفاعيلها آخر أيلول،
لنكون بعد ذلك أمام رفع الدعم بالكامل عن المحـــــروقات، فيما البدائل لا زالت غير مؤمّنة. في آخر دراسة نشرتها “الدولـــــية للمعـــــلومات” ارتفعت كلفة السلّة الغذائية والاستهلاكية بنسبة 455%،
وجاء في الدراسة “منذ نهاية شهر تشرين الثاني 2019 وحتى نهاية شهر تموز الماضي، ارتفعت، وبنسب كبيرة جداً،
أسعار كل السلع والمواد الغذائية والاستهلاكية، وهذا ما رفع من كلفة السلّة الغذائية والاستهلاكية لأسرة مؤلّفة من 5 أفراد من 450 ألف ليرة شهرياً الى 2.5 مليون ليرة”.
مع ارتفاع أسعار المـــــحروقات بنسبة تراوحت بين 63 و 66%، ستشهد أسعار السلع ارتفاعات جديدة، وفق ما أشار إليه الباحث في “الدوليـــــة للمـــــعلومات” محمد شمس الدين “، تقدّر الزيادة ما بين 15 و 25%، حسب نوع السلع والمحال التجارية،
وذلك بسبب كلفة النقل وكلفة تشغيل المولّدات، فالمحال التي تستعين بمولّدات لتغطية ساعات التقـــــنين، ستزيد من الكلفة التشغيلية وبالتالي من سعر السلعة.
كل المؤشـــــرات تتجه نحو المزيد من التضخم وبوتيرة سريعة، يقول شمس الدين “رفع بدل النقل من 8 الآف إلى 24 ألف ليرة، ومنح مساعدة اجتماعية لموظفي الإدارات العامة كبدل راتب إضافي واحد،
سيؤدي بدوره إلى تضـــــخّم. صحيح أنّ هذه الزيادات لا تنعكس زيادة في تعويضات نهاية الخدمة، ولكنها بمثابة ضخّ للسيولة من دون إيرادات، بما يحتّم طباعة عملة،
بالتالي دخلنا في زيادة أجور غير مباشرة، وزيادة في الأسعار في شهر أيلول وما بعده، كل ذلك بظلّ انعدام الرقابة والتفلّت الحاصل في الأسعار”.
البوّاب” التضـــــخم بلغ 600%
“لبنان دخل مرحلة التضـــــخم المفرط” يقول الخبير الإقتصادي الدكتور باسم البوّاب لافتًا إلى أنّ نسب التضـــــخم ارتفعت منذ بداية ثورة 17 تشرين إلى اليوم بحدود 600% ”
ولكي يتمكّن المواطن من العيش كما كان الحال قبل الأزمة، يجب أن يتقاضى راتبه على دولار الـ 10000 ليرة”.
أسعار المحـــــروقات تؤثّر بشكل كبير في أسعار السلع، من خلال عاملين يوضح البوّاب “العامل الأول يتمثل في كلفة نقل البضائع، من المرفأ مثلًا إلى التجار،
ومن الموزع إلى الزبون، ومن الأخير للمستهلك النهائي، بالتالي هناك ثلاث مراحل في عملية نقل البضائع، وفي كلّ مرحلة تطرأ زيادة تُقدّر بـ 3% أي بمجموع 9%. عدا عن ذلك، تتكـــــبّد الشركات بدل نقل للموظفين، ارتفع إلى 24 ألفًا،
وستطرأ عليه زيادة إضافية تصل إلى خمسين ألف ليرة بعد رفع الدعم في نهاية أيلول المقبل، أي ما يعادل 1250000 بدل نقل شهريًّا، الأمر الذي يشكّل عبئًا كبيرًا على الشركات، وسيدفعها إلى رفع أسعار السلع بنسبة تترواح بين 7 و 8%.
زيادة كبيرة في أسعار الصناعات اللبنانية تصل إلى 50%
بالنسبة للصناعة الأمر مختلف كليًّا، وفق مقاربة البوّاب، بحيث تحتاج الصناعة إلى عدد موظفين أكبر، مما يرفع من كلفة بدل النقل،
كما أنّ الصناعيين يشترون مادة المازوت بـ “فريش دولار”بسعر 600 دولار للطن الواحد،أي بزيادة أربعة أضعاف عما كانت عليه،
وكون نسبة استهلاك المحـــــروقات تدخل في صلب عملية تسعير السلع، سنشهد ارتفاعات جنونية بالصناعات اللبنانية، تصل ما بين 30 و50% على الأقل عن كلّ سلعة. ”
من هنا ينزلـــــق الوضـــــع إلى تضخّم مفرط، دخلنا معه في دوامة لا يمكن الخروج منها، إلا بتثبيت سعر الصرف، من خلال حكومة فعليّة تكسب ثقة الجهات المانحة، وتشكّل مدخلًا لضخ التدفقات المالية”.
وفق دراسة مرصـــــد الأزمـــــة في الجامعة الأمـــــيركية في بيروت “ستجد الأكثرية الساحقة من الأسر في لبنان صعوبة في تأمين قوتها، بالحدّ الأدنى المطلوب، من دون دعم عائلي أو أهلي أو دون مساعدة مؤســـــسات الإغاثـــــة”.
وحسب المرصـــــد نفسه “تكلفة الغذاء توازي خمسة أضعاف الحد الأدنى للأجور”. هذه الأرقام قبل رفع الدعم عن المحـــــروقات، فكيف الحال بعده؟
ألا تستدعي كل هذه العذابات تخلّي المعرقـــــلين عن الحـــــسابات الشخصية والفئوية، والذهاب نحو تأليف حكومة توقف عجلات الإنهيـــــار بالحدّ الأدنى؟