ضغط دولي ومحلي بإتجاه التشكيل هل الرياح العربيه مؤاتيه
هدأت الجبهة”، إن جاز التعبير، إلى حدّ ما، وبصورة “نسبيّة” بطبيعة الحال، بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلَّف سعد الحريري، على وقْع اللقاء السابع عشر الذي جمعهما في قصر بعبدا، بعد “قطيعة طويلة”، انتهت بـ”اشتباك ليليّ” قد يكون الأعنف، وصل إلى حدّ رفع معادلة “الاعتذار مقابل الاستقالة”.
“هدأت الجبهة”، فخلُص لقاء الرجليْن في بعبدا إلى “تهدئة” قضت بتأجيل البحث حتى يوم الإثنين المقبل، وربما أكثر من ذلك، عملًا بمقولة “إذا مش الإثنين الخميس”، وخرج الحريري بخطاب “هادئ” أوحى بوجود مستجدّات يمكن “البناء عليها”، لتحقيق “خرق” طال انتظاره، وإن بقيت الأجواء العامة متأرجحة، وربما ميّالة نحو السلبيّة أكثر.
ولعلّ هذه “السلبيّة” قُرئت خلف “سطور” خطاب الأمين العام لـلحزب، الذي استنتج المستمعون إليه بأنّ الإيجابيّة المسرَّبة قد لا تكون حقيقيّة، وإلا لما كان الرجل ليضطر لتوجيه “نصائح” تعتمد على “فشل” الجهود الحكوميّة، سواء لجهة العودة لحكومة السياسيّين بدل الاختصاصيّين، أو الذهاب لتفعيل حكومة تصريف الأعمال.
“الضغط” فعَلَ فِعْله!
بمُعزَلٍ عن حقيقة الأجواء الحكوميّة، التي تبقى “ملبّدة بالغيوم” حتى إثبات العكس، فإنّ الأكيد أنّ “التهدئة” التي كرّسها لقاء بعبدا، والتي بدت “انقلابًا غير مفهوم” على “اشتباك الليل” بين الرئيسيْن عون والحريري، لم تكن عفويّة ولا تلقائيّة، وإنما جاءت نتيجة ضغوط رفيعة المستوى، على الصعيدين المحلّي والدولي.
ويقول العارفون إنّ “رسائل” واضحة وصلت إلى من يعنيهم الأمر بأنّ الوضع لم يعد يحتمل المزيد من المماطلة، وتعبئة الوقت بسجالات لا طائل منها، كذلك الذي فتحه الرئيس عون عندما خيّر الرئيس المكلَّف بين “التأليف والاعتذار”، في محاولة مكرّرة لـ”إحراجه فإخراجه”، وهو ما لن يصل إلى مبتغاه، لكنّه قد يؤدي إلى “معركة” جديدة على الصلاحيّات، بطابعٍ طائفيّ مذهبيّ، لا فائدة مرتجاة منها في الوقت الحاضر.
وإذا كان الوضع الاقتصاديّ والماليّ، على وقع ارتفاع سعر الدولار، أسهم أيضًا في اتخاذ قرار بـ”تبريد” الأجواء، بالحدّ الأدنى المُتاح، فإنّ “الضغط الدوليّ”، الذي تتكثّف وتيرته منذ فترة، يبقى في صدارة “الأسباب الموجبة” للتهدئة، علمًا أنّ ما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان واضحًا في هذا الإطار، سواء لتجديد دعوته للإسراع بتشكيل حكومة، أو تلويحه بـ”تغيير المقاربة والنهج” في الأسابيع المقبلة، وهنا بيت القصيد.
“الانكفاء” العربي مستمرّ؟
فعَلَت الضغوط المحلية والدولية فِعْلها إذًا، فكرّست “تهدئة” على خط “الجبهة الحكوميّة”، لا يُعرَف إن كانت ستصمد إلى ما بعد الإثنين، أو إن كانت تملك أيًا من مقوّمات “الصمود”، رغم محاذير ذلك على البلاد والعباد. لكن، في المقابل، ثمّة من يسأل عن الموقف العربي، الذي لا يزال “منكفئًا” إلى حدّ بعيد، رغم بعض الحِراك “الخجول” الذي يُسجَّل بين الفينة والأخرى.
وفي هذا السياق، يلاحظ العارفون أنّ الملفّ اللبنانيّ، رغم حساسيّته المُفرَطة، لا يتصدّر هذه الأيام “الأجندة العربيّة”، حيث لا يُسجَّل أيّ “زخم” بالتعامل معه، يلاقي “الزخم” الذي يُرصَد على خطّ الملفّ الليبيّ مثلاً، علمًا أنّ هناك من يؤكد أنّ الأسباب التي دفعت العرب، ولا سيما دول الخليج، إلى “الانكفاء” عن لبنان قبل فترة غير قصيرة، لا تزال ماثلة، وأنّ هذه الدول “متوجّسة” من حكومة لبنانية تشبه سابقتها، ولا تعكس “التضامن العربي” المطلوب.
لكن، أبعد من ذلك، يؤكد العارفون أنّ الموقف العربي “متناغم” إلى حدّ بعيد، مع ذلك الغربي، القائم على معادلة أنّ الكرة في ملعب الأفرقاء اللبنانيين، الذين يبقى عليهم أن يخطوا الخطوة الأولى، ويشكّلوا حكومة تستطيع تنفيذ الإصلاحات، “وبعدها لكلّ حادث حديث”. ويشير هؤلاء إلى أنّ “الزخم” الذي تشهده ليبيا مثلاً، جاء بعد اتفاق قادتها على حكومة وحدة وطنية، في سياق مرحلة انتقاليّة واضحة المَعالِم، وهو ما لا ينطبق على الواقع اللبناني.
يقول البعض إنّ اللبنانيّين، في ظلّ حكومات “العهد” المتعاقبة، هم من “خربوا” العلاقة مع الدول العربية، وينتظرون منها اليوم “كلمة سرّ” تحمل بين طيّاتها بوادر “الإنقاذ”. تصحّ هذه المقولة جزئيًا، لكنّ الأكيد أنّ “الرهان” اللبناني على الخارج لم يعُد الأساس، لأنّ الخارج أخذ العِبَر من تجارب الماضي، خلافًا للبنانيين الذين لا يزالون يكرّرون “الخطايا” نفسها، وكأنّ شيئًا لم يكُن!.