حجم الكارثة بات يحتِّم طرح الأسئلة.. لمَن سيكون البلد في 2022؟
كتب طوني عيسى في “الجمهورية”: بات حجم الكارثة يحتِّم طرح الأسئلة التي يحاول كثيرون تجنُّبها. فالبلد تجاوز المأزق السياسي والمالي ليصبح في مأزق كيانيّ: الكل خائفٌ من الكل، والكل يحاول الاستقواء على الكل، لكن أحداً ليس قادراً على الحسم. لذلك، الجميع يتَّكلون على القوى الخارجية، وليس على عضلاتهم، ويجهِّزون العُدَّة لمعركةٍ يعتقدون أنّها ربما تكون حاسمة.
منذ الحرب الأهلية، لم يعِش لبنان مثل هذه الحال من الضياع التامّ. حتى إنّ القوى الداخلية المُمْسِكة بالسلطة تقف في موقف المتجاهل تماماً للكارثة.
هذه القوى كانت تمتلك جزءاً من القدرة على إنتاج الحلّ، عند انفجار الأزمة في 17 تشرين الأول 2019. لكنها عملياً عطَّلت الحلول مراعاةً لمصالح الخارج، وقمعت الانتفاضة الشعبية، فكرَّست الانهيار. وبذلك، ضاعت الفرصة الأخيرة لـ«لبننة» الحلّ، وسقط البلد بالكامل رهينة للمحاور الخارجية.
وباستثناء «حزب الله» الذي يمثِّل بطبيعته بُعداً خارجياً مباشراً، لم يعُد أي طرف داخلي قادراً على اتخاذ قرار، لا بالتأزيم ولا بالحلحلة. فتجسيد «الحزب» للنفوذ الإيراني استدرج قوى خارجية عديدة إلى مواجهاتٍ كبرى في لبنان، لا يُعرف إذا كانت ستُحسَم في المدى المنظور أو ستستمرُّ بلا أفق.
ربما يكون الفرنسيون هم الطرف الخارجي الوحيد الذي يريد إنقاذ الحلّ اللبناني «بالتي هي أحسن». وأما الآخرون جميعاً، فقراراتهم واضحة: إما أن تُحسَم المعركة في الاتجاه الذي يريدونه وإما أن تكون الحرب!
وصحيح أنّ إرجاء زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت، زاد من تضييق فُرَص الحلّ، ولكن، ولو تمَّت الزيارة، فالفرصة كانت معدومة تقريباً. وحتى لو تمّ تشكيل حكومة جديدة، فالأجواء لا تسنح إلّا بنسخة عن حكومة الرئيس حسّان دياب. وهذا ما سيقود إلى تكريس الانهيار.
المتابعون يخشون أن تكون المحاور الخارجية المتنازعة، قد باتت تراهن على المواعيد المقبلة للمعارك في لبنان، لا على مواعيد الحلول. وهناك سيناريوهات عدَّة مرتقبة لهذه المعارك، ولدور القوى المحلية فيها، والطريقة التي يعوِّل عليها كل طرفٍ لتحقيق الحسم. واللافت، هو التقاطع بين العديد منها على اعتبار العام 2022 هو الأكثر حساسية في المواجهة.
في اعتقاد هؤلاء، أنّ العقدة التي تعترض تشكيل الحكومة اليوم لا تكمن تحديداً في الصراع التقليدي على الحصص والغنائم، كما كان يجري عادة، بل إنّ الأمر يتعلق خصوصاً بالضوء الأخضر الخارجي لتشكيل الحكومة، التي ربما تكون هي المرشّحة لتولّي زمام السلطة في البلد بعد أقل من عامين.
بصريح العبارة، بدأ يُطرح السؤال الآتي: مَن سيسيطر على لبنان في العام 2022، إذا ما تمّ تعطيل الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة المرتقبة آنذاك: البلدية والنيابية والرئاسية؟ ففي الواقع، ستكون الحكومة الحريرية العتيدة، هي صاحبة السلطة الحقيقية، وفي حوزتها صلاحيات رئاسة الجمهورية، وإن كانت في وضعية تصريف الأعمال.
على الأرجح، ستلجأ الغالبية النيابية باكراً إلى إجراء الترتيبات اللازمة لئلا تخسر السلطة التي تتمتع بها الآن، ومن خلالها إيران. وسيكون متاحاً لها أن تلجأ إلى التمديد، حيث تستطيع، لتهرب من الاستحقاقات. وهناك أوراق عديدة يمكن استخدامها لهذه الغاية، ولاسيما الانهيار المالي وقانون الانتخاب وعدم القدرة على إنجاز الاستحقاقات، تحت ضغط الوقت.
لكن الانهيار سيشكّل على الأرجح عامل تفجير أشدّ عنفاً. فالبلد لن يصمد، بالتأكيد، حتى العام 2022، اقتصادياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً وحتى أمنياً. والمهلة المتاحة للحفاظ على الحدّ الأدنى من مظاهر الاستمرار، باتت تُقاس بالأسابيع أو بقليل من الأشهُر، ولا يمكن للدولة والمؤسسات العامة والخاصة والمرافق والأجهزة أن تصمد حتى العام 2022 وما بعده.
إذاً، في فترة الانهيار، سيرتفع مستوى الضغط على الجميع، ولن يتاح إنتاج تسوية في الداخل، إذا كان المناخ الإقليمي تصعيدياً. فالقوى الداخلية مكلَّفة برعاية مصالح هذا المحور الخارجي أو ذاك.
وعلى الأرجح، عندما يبلغ الانهيار أسفل القعر، ويصبح مستحيلاً الهبوط إلى ما هو أدنى، سيتاح تلقائياً أحد خيارين:
1- بدء الصعود مجدّداً وبناء البلد «من تحت الصفر». واكتمال النهوض سيستغرق سنوات عدّة.
2- العجز عن الصعود مجدّداً بسبب استمرار المعارك الكبرى، إقليمياً ودولياً، وعدم قدرة القوى المعنية على حسمها بالغلبة أو بالتوافق. وفي هذه الحال، سيكون لبنان بقعة منكوبة ويغرق اللبنانيون في أزماتهم- وربما حروبهم- لسنوات عدّة.
هذه الصورة هي التي بدأت ترتسم فعلاً. وسيكون تجنّبها مرهوناً بالإرادات الدولية والإقليمية، لا بإرادة القوى اللبنانية التي أثبتت عجزها وخضوعها التام للخارج، مقابل حصتها من حفلة المفاسد التي أوصلت البلد إلى الخراب.
وفي الانتظار، الكل يستعدّ للاستحقاقات، بكامل قوته، لعلّه يتمكن من السيطرة على البلد فيكون له بالكامل، وإلّا.. فأي بقعة متاحة.