الحقيقة ستقال كاملة لكي يعرف كل معرقل دوره وحجمه
إذا كان البعض يعتقد أنه بإثارة الغبار خلفه يمكنه أن يعمي العيون عن الكثير من الحقائق يكون إمّا مغشوشًا، وإمّا أن هناك من يحاول أن يغشّه.
ولكن، وعلى رغم كثرة الغبار المثار فإن الرؤية تبقى واضحة، إذ من غير الممكن إخفاء أشعة الشمس بمنخل.
فالأمور قد أصبحت بالنسبة إلى القاصي والداني واضحة وجلية كعين الديك، ولا تحتاج إلى الكثير من الشرح والتبسيط والإستفسار.
فالمواقف معروفة، وكذلك محاولات العرقلة في كل المجالات، بدءا بوأد أي مسعى لتسريع خطوات تشكيل الحكومة، وهي لا تزال عالقة عند “أسوار” من إعتاد التنصّت من ورائها، إن لم يحالفه الحظ بأن يكون في قلب “الخربطة”، وصولًا إلى عرقلة مسيرة التعافي بكل تفاصيلها.
إذا إستطاع المقرّبون من الرئيس ميشال عون أن يسألوه، وهو يشرف على طي آخر صفحات عهده، عمّا يمكن أن يلغيه من إجندته السياسية لو عاد الزمان به إلى الوراء ست سنوات،
قد لا يحصل السائل على جواب شافٍ وكامل ومتكامل، ولكنه وبما أنه مقرّب من الرئيس، وليس من الأقارب، يستطيع أن يقرأ ما لا يريد أن يقوله الرئيس، حتى ولو كان في فمه ماء.
كثيرة هي الأمور التي يتمنى الرئيس عون لو أنها لم تكن واردة على أجندته السياسية. أولها إلغاء “إتفاق معراب” من أساسه، ثانيها عدم تكرار تجربة “التسوية الرئاسية” مع الرئيس سعد الحريري، ثالثها وضع النقاط الواضحة على الحروف النافرة في علاقته مع “الحـــ.ــزب “،
وإن كان أمينه العام السيد نصـــ.ــرالله أنصف بعض الشيء عهده في حديثه إلى قناة “الميادين”، ورابعها وأهمها إبعاد صهره جبران باسيل عن مركزية القرار الرئاسي.
فهذه النقطة الأخيرة، وإن لم يجاهر بها الرئيس عون ولا مرّة، هي في إعتقاد وقناعة الذين لا يزالون مخلصين وأوفياء لرئيس الجمهورية الأساس في الإخفاقات الكثيرة التي رافقت العهد.
فإصرار باسيل على أن يبقي أقرب المقربين منه على رأس وزارة الطاقة، من دون أن تدخل الكهرباء إلى بيوت الناس، ولو من طاقة صغيرة، كان السبب الرئيسي في هذه النقمة التي قامت في وجه الرئيس عون.
ومن لا يتذكّر كيف قامت القيامة على باسيل مع بداية “إنـــ.ــتفاضة 17 تشرين”، وكيف كانت تّنظم له أغنيات الـ”هيلا”.
لقد حمّل الذين نزلوا إلى الشارع نصف مسؤولية ما حصل في البلاد من إهتراء، وما حلّ بها من مصائب، إلى باسيل.
أمّا نصف المسؤولية الباقية فحُمّلت إلى بقية المسؤولين، أي أنهم وضعوا باسيل في كفّة مقابل وضع الآخرين في كفّة أخرى.
هذه الحقيقة يعرفها الرئيس عون، ولكنه يرفضها، لأنه لا يزال يعتبر أن جبران ظُلم كثيرًا، حتى من أهل بيته، الذين يحمّلونه مسؤولية فشل العهد، ومسؤولية إبتعاد كثيرين من الحزبيين عن “التيار”، والأمثلة كثيرة، في حين أن كثيرين باقون “كرمى” عيون “الجنرال”، وليس “كرمى” سواد عيون جبران.
إذا كان البعض يسكت عن تصرفات غير طبيعية لرئيس ثاني أكبر تكتل نيابي على مضض، فإن البعض الآخر يعتبر أن “الساكت عن الحق شيطان أخرس”، فلذلك تكّلم حتى لا يستمر “الفاجـــ.ــر” مستمرّا في فجـــ.ــوره.
هذا البعض، ومن بينهم الرئيس المكّلف تشكيل الحكومة، تحمّل وصبر أكثر من ايوب في زمانه. ولكن “الصهر المدّلل” رأى في هذا الصبر ضعفًا، فأزدادت نسبة البخار التي تضرب الرؤوس.
ومع إرتفاع هذه النسبة من “البخار التشاوفي والإستعلائي”، ومع ما يمكن أن تسبّبه من تداعيات خطـــ.ــيرة على البلاد والعباد معًا، لم تعد معادلة “الكلام من فضّة والسكوت من ذهب”، بل أصبح من الواجب الوطني وضع النقاط على الحروف، ووضع من لا يريد أن يرعوي عند حدّه وحجمه.
اندريه قصاص_لبنان 24